مازالت أزمة إقليم دارفور التي اندلعت قبل عام كامل وبلغت مداها من التصعيد والتعقيد قبل 3 أشهر، مازالت في مكانها دون الوصول إلى حل يقضى عليها تماماً ويعيد لهذا الجزء المهم من السودان استقراره وهدوءه والتعايش السلمي بين أهله. وكانت الآمال كلها قد انعقدت على اجتماع تم التحضير له في عاصمة أثيوبيا وبرعاية الاتحاد الأفريقي للجمع بين ممثلين للحكومة السودانية وممثلين للقوى التي تقود المقاومة المسلحة في دارفور إلا أن المحادثات انهارت. ونقطة الخلاف الرئيسية والتي أدت لانهيار المحادثات هي أن المقاتلين يريدون من حكومة السودان أن تطبق على أرض الواقع خطوات محددة قبل أن يبدأوا في التفاوض رسمياً. وأهم تلك الخطوات: نزع سلاح المليشيات الموالية للحكومة والمسماة بالجنجويد نزعاً تاماً. توفير حرية الحركة لإجراء تحقيق دولي محايد في اتهامات بوقوع جرائم إنسانية. محاكمة من أسموهم بالمسؤولين عن (الإبادة الجماعية) التي حدثت في الإقليم حسب دعواهم. تيسير إيصال المساعدات الغذائية والعلاجية للذين هم في أمسِّ الحاجة إليها. الإفراج عن أسرى الحرب والمعتقلين منذ أن بدأت المقاومة. أن تجرى المفاوضات في عاصمة محايدة (غير أديس أبابا).
رفضت الحكومة هذه المطالب وانهارت المفاوضات رغم الجهود المتعددة التي بذلها قادة الاتحاد الأفريقي بغية الوصول إلى حل مقبول للطرفين.
وتختلف تفسيرات المراقبين لهذا التشدد من جانب متمردي دارفور ولكن التعليل الأقرب إلى الحقيقة هو أنهم وهم يلاحظون ويتابعون الضغوط الدولية المتتالية والموجهة ضد حكومة الخرطوم يقدرون أنهم سيكسبون أكثر ويحققون نجاحات أعظم إن هم تريثوا ليروا إلى أي مدى سيقود التدخل الخارجي الذي وصل عتبات مجلس الأمن الدولي. وعلى الجانب الآخر (الحكومة) فإنها تسعى وفق تقديراتها لتحقيق نوع من الإنجاز داخل إقليم دارفور فضاعفت من إعداد رجال الشرطة والأمن المنوط بهم حماية الأهالي من أي عدوان من (جنجويد) أو غيرهم، بل وأعلنت أنها قدمت عدداً من المتهمين بأنهم من (الجنجويد) وأصدرت عليهم أحكاماً حدية بالقطع من خلاف إضافة للسجن والغرامة. كذلك أعلن أن تيسيرات متعددة وفرت لمنظمات الغوث الإنساني. ورغم هذا فالواضح أن هناك في الغرب وفي واشنطن بالتحديد من يقول إن حكومة السودان لم تفعل ما يلزم وأنها لم تف تماماً بما وعدت به كوفي أنان وكولن باول خلال زيارتهما للسودان قبل أيام، ولهذا فإن المتشددين في الغرب يسعون ويواصلون السعي لاستصدار قرار ضد حكومة السودان قد يبدأ ويتطور إلى مرحلة التدخل المباشر.
وطالما ظلت أزمة دارفور، بل محنتها مستمرة دون حل فإن ذلك من شأنه أن يحرك نعرات مناطقية وقبلية في أجزاء أخرى من السودان. بشائر مثل ذلك التحرك بدأت عندما أعلنت جماعات تقول إنها تمثل سكان شرق السودان (قبائل البجه والبني عامر..الخ) هذا الأسبوع، أنها تريد من الحكومة المركزية في الخرطوم أن تتفق معها على قسمة في الثروة والسلطة تماماً كما حدث مع الحركة الشعبية بقيادة قرنق بالنسبة للجنوب.
إن سياسات جماعة "الإنقاذ" التي استولت على الحكم قبل 15 عاماً هي التي أدت إلى كل هذه الظواهر التي لن تختفي تماماً إلا بقيام تحول جذري في حكم السودان مركزياً.