بقي مصير الرهينة الفلبيني الذي كان يعمل سائق شاحنة في العراق مجهولاً حتى أُطلق سراحه يوم الثلاثاء الماضي. كان خاطفو الرهينة يهددون بفصل رأسه عن جسده ما لم تقم حكومة الفلبين بسحب قواتها العاملة في العراق فوراً. ورغم أن الخاطفين كانوا قد أعلنوا سابقاً عن نيتهم إطلاق سراح رهينتهم فيما لو أعلنت الحكومة الفلبينية سحب قواتها من العراق دون تحديد موعد لذلك، إلا أنهم عادوا وتراجعوا عن إطلاق سراحه قبل أن تقوم الفلبين فعلاً بسحب قواتها.
ويبدو أن الخاطفين كانوا قد تنبهوا إلى أن الحكومة الفلبينية كانت تناور بشأن قواتها قبل 20 أغسطس 2004، لذلك فإنهم قاموا بالتشدد تجاهها مرة أخرى. والواقع هو أن الحكومة الفلبينية كانت تناور بالفعل لكسب الوقت لصالحها إلى أن يحين الموعد المحدد سلفاً لانسحاب قواتها من العراق. ويبدو أن تلك المناورة كانت بمثابة سياسة مسك العصا من المنتصف، فهي من جانب كانت تريد إرضاء الحكومة الأميركية تجاه بقاء قواتها في العراق، ومن جانب آخر كانت تريد إرضاء الرأي العام الفلبيني الذي ينادي بسحب قوات بلاده في أقرب فرصة. ولكن الخاطفين لم يعطوا تلك المناورة الوقت الكافي لكي تنضج وتؤتي أكلها، وقاموا بزيادة الضغط إلى أن تحقق مطلبهم الأساسي.
وعندما أعلنت الفلبين نيتها في سحب قواتها في أقرب فرصة زادت الضغوط عليها، فقد ناشدها رئيس وزراء العراق إعادة النظر في قرارها، في الوقت الذي أعلنت فيه الإدارة الأميركية أن قرار سحب القوات الفلبينية من العراق سيعطي رسالة خاطئة إلى أولئك الذين يحتجزون الرهينة، في الوقت الذي كان فيه ضغط الشارع الفلبيني والخاطفين يزداد عليها أيضاً، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى سحب كامل المفرزة وإلى إطلاق سراح الرهينة.
والمهم في الأمر هو أن قرار الحكومة الفلبينية بالانسحاب في أسرع وقت يشكل أحدث تصدع في جدار قوات التحالف العاملة في العراق، فرغم أن عدد المفرزة الفلبينية كان صغيراً جداً بالمقاييس العسكرية حيث إن إجمالي عدد أفرادها كان يبلغ 51 فرداً، إلا أن قرار الحكومة الفلبينية يعكس انزعاج بعض أعضاء التحالف من البيئة الخطيرة التي يتواجد فيها جنودهم هناك، ومما قد تخبئه الأيام القادمة من أخطار جسيمة مع تزايد تكتيكات المختطفين والمقاومين حدة وضراوة. إن الواقع يشير إلى أن الانسحاب من قبل أي عضو من أعضاء التحالف، تحت أي عذر أو غطاء ما هو إلا تأثير سلبي على جهود الولايات المتحدة الرامية إلى تقوية التواجد الدولي في العراق، وتخفيف العبء الأمني الضخم الملقى على عاتقها الذي تطمح بأن يشاركها آخرون في تحمل جزء منه تخفيفاً عنها.
إن الدلالة المحزنة بالنسبة للولايات المتحدة وأطراف التحالف الأخرى هي أن دولة مثل الفلبين لم تعد راغبة في تقديم أقل قدر ممكن من المساعدة بعدما حدث، ما يعني فقدان الثقة بما يجري هناك من قبل أطراف التحالف. وهذا أمر يتناقض كلية مع متانة علاقة الولايات المتحدة بالفلبين، فالأولى تقدم مساعدات عسكرية سخية للثانية بما في ذلك المساعدات التي تقدم لمحاربة الثوار في أقاليم جنوب البلاد والذين يخوضون حرباً ضروساً ضد مانيلا منذ أمد طويل.
يشار بهذا الصدد إلى أن التصدعات في قوات التحالف العاملة في العراق بدأت مع وصول الحكومة الأسبانية الجديدة إلى السلطة وقيامها بسحب جميع القوات الأسبانية من العراق. ولكن في الوقت نفسه فإن أطراف تحالف كأستراليا واليابان وبلغاريا وإيطاليا وكوريا الجنوبية لا زالت متمسكة بالبقاء في العراق بالرغم من فقدان ثلاث منها هي إيطاليا وكوريا الجنوبية وبلغاريا لمواطنين قطعت رؤوسهم، أضف إلى ذلك المعارضة الشديدة والمظاهرات التي تتأجج في عدد من تلك البلاد، لا بل إن البعض منها كأستراليا أعلن أنه سيقوم بإرسال المزيد من القوات.
وفي إطار أوضاع تواجه فيها حكومات دول التحالف ناخبين معارضين لوجود قوات من بلادهم في العراق، فإن تلك الحكومات تقع الآن بين المطرقة والسندان، فمن جانب هي ترغب في البقاء وفية لالتزامات تحالفها مع الولايات المتحدة في مشروعها تجاه العراق، ومن جانب آخر هي راغبة أيضاً في استرضاء ناخبيها الذين يتوقف على أصواتهم بقاؤها في السلطة. وفي نهاية المطاف يبقى السؤال الخاص بمستقبل التحالف في العراق معلقاً، فهل يستمر التحالف وينسى أعضاؤه ما يقوم به الخاطفون، أم يتراجعون تلبية لمطالبهم؟ تساؤلات حائرة تبحث عن إجابات لا أملكها.