تشكل البحار في كثير من بلدان العالم مجالاً تنفتح فيه أبواب احتمالات الفوضى والمخالفات كما في أي مجال ونشاط بشري آخر. ويشكّل النقل البحري مصدراً للموارد المالية، وهو أيضاً ساحةً للنزاع وللخروج على القانون من جهة الأفراد والجماعات. وربما تكون كلمة القرصنة هي أول ما يقفز إلى الذهن. لكن المسألة أوسع من ذلك، وهو ما يناقشه كتاب جديد للمؤلف ويليام لانغفيش مراسل مجلة "أتلانتيك مانثلي"، والذي يتطرق فيه إلى مختلف أوجه المخالفات والخروج على القانون في البحار، إضافة إلى أوجه تنازع القوانين (القانون الدولي) حول المسائل البحرية.
في كتاب "البحر الخارج عن القانون"، وهو الخامس في رصيد المؤلف بعد أربعة كتب من أهمها "أرض أميركية" و"في داخل السماء"، يشير المؤلف إلى حالة انعدام القانون في البحار كحالة لها العديد من المدلولات والمعاني المتقاطعة، ومن أهمها الممارسة الشائعة المعروفة باستخدام السفن لأعلام البلدان التي تم فيها تسجيل تلك السفن. ويعني اختيار علم بلد ما ليرفرف على سفينة ما أن قوانين البلد وأنظمته ملائمة عموماً لأصحاب السفينة من جماعات وأفراد وشركات. وليس ذلك تعبيراً عن وجود رابط حقيقي بين البلد وأصحاب السفينة أو وسيلة النقل البحري. وعلى سبيل المقارنة، لا يعني الحصول على صندوق بريد في أي بلد تقريباً أنه يمكن لصاحبه أن يزعم أن ذلك البلد هو موقع أعماله وتجارته، وليس ذلك إجراءً كافياً في ما يتعلق بمعظم الأغراض القانونية، لكنه ربما يكفي في حالات كثيرة لتسجيل سفينة ما ورفع علم بلد ما فوقها عندما ينقل أصحابها مختلف أنواع الحمولات. وتعتبر البلدان أن رفع علمها على السفن وسيلة لجمع العائدات المالية فتتقاضى رسوماً من شركات الشحن "الافتراضية" هذه مقابل منحها هذا الامتياز.
لكن في هذا مشكلة كبيرة يعرض لها مؤلف الكتاب. فهناك قوانين وأنظمة تحظر على السلطات القانونية لكل بلد أن تفتش سفن بلد آخر- أي التي تحمل علم ذلك البلد- وهو ما يعني منع تلك السلطات من اعتراض أو قطع تدفق الممنوعات أو السفن والحمولات المسروقة أو الأسلحة والمواد الإرهابية. ومن أهم الأمثلة التي أوردها الكتاب قيام تنظيم القاعدة باستخدام ذلك التكتيك في 1998 لنقل المتفجرات التي تم استخدامها في عمليات تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام بتاريخ 8 أغسطس من ذلك العام. ويروي الكتاب أن تنظيم القاعدة سعى طوال شهور قبل ذلك اليوم إلى توفير غطاء للتدرب على خطوات تنفيذ العملية فأدار شركة تعمل في مجال نقل مواد البناء والمنتجات الزراعية.
وفي عام 2002، ونتيجة للإحباط الذي ساد إثر ذلك، وقّع الرئيس "بوش" أمراً تنفيذياً يقضي بزيادة صلاحيات الولايات المتحدة لتفتيش السفن في المياه الدولية. وبادر حلف شمال الأطلسي "الناتو" بزيادة عمليات اعتراض السفن. ويناقش المؤلف نشاطات هيئة خفر السواحل ودائرة الجمارك الأميركية اللتين أصبحتا الآن جزءاً من وزارة الأمن الداخلي، ويشير إلى أن العدد الكبير من السفن المحمّلة بعدد كبير من الحاويات يجعل من الصعب على أية جهة تفتيش أكثر من جزء ضئيل من المخابئ التي من الممكن وجودها على السفن.
ويتطرق الكتاب أيضاً إلى شكل آخر من أشكال الخروج على القانون في البحار؛ ويشير المؤلف هنا إلى أن كل السفن مطالبة بموجب الاتفاقات الدولية بالاحتفاظ بسجل خاص، ويشير إلى أن مالك السفينة يتحمل مسؤولية جزئية فقط عن دقة السجل، وهي نقطة لها ما لها من الحساسية الأمنية. فإذا كانت السفينة مسروقة أو استولى عليها قراصنة مسلحون، فإن إخفاء الجريمة ممكن حيث يكفي طلاء بدن السفينة بطلاء جديد مع استبدال علاماتها المميزة وإقحام تاريخ مفبرك للسفينة في ذلك السجل. ويروي المؤلف أنه ما بين عامي 1998 و2002، تم الإبلاغ عن وقوع 1228 حالة قرصنة بحرية في أنحاء العالم. ويسهب المؤلف في وصف حالة منها وقعت في عام 1999 وفيها تم اختطاف سفينة اسمها "ألوندرا رينبو" على يد عصابة من القراصنة الذين يتلقون الأوامر من "شخصية مجهولة غير معروفة إلاّ باسم الزعيم.. و(يأتي) صوتها من هاتف يُرمى بعد استخدامه".
ويذكر المؤلف أن الأمم المتحدة تبنت في 1994 اتفاقية قانون البحار لتعزيز عملية القبض على القراصنة الذين نشطت الهند في مقاومتهم. ويروي المؤلف حادثة معينة، حيث تلقت السلطات الهندية نداءً من قبطان فرقاطة كويتية حددت موقع سفينة بدا أن اسمها مكتوب بطلاء حديث. ولم تنصعْ السفينة لأوامر بإبطاء السرعة والتوقف إلاّ عندما سدّدت السفن الحربية الهندية مدافعها إليها. واستسلم في تلك الحادثة 15 قرصاناً، وتبين أن السفينة هي سفينة "ألوندرا رينبو" المذكورة آنفاً.
ولم يهملْ المؤلف التطرق إلى ذكر المخاطر التي تهدد سلامة عمال السفن. ويحكي المؤلف قصة عن مستثمرين من رجال العصابات كانوا يعلمون أنهم يستخدمون سفناً عتيقة تآكل هيكلها المعدني بفعل الصدأ إلى درجة أنه كان من الممكن أن تتحطم تلقائياً وتغرق في أي وقت. وعمد هؤلاء إلى تغطية ال