ليس من طبيعتي أن أكره الأشياء التي لا وجود لها بشكل ملموس، إلا أن التجارب والمآسي التي مرَّ بها ملايين من البشر، تجعلني أعلن الكراهية على ذلك الذي يدمر التكوين الجميل، دون رحمة أو شفقة بحال كائن هو الإنسان.
إن استعدادات ذلك الذي يعمل بالخفاء وبصورة تفوق عمل المخابرات والأحزاب السياسية، تجعل الإنسان لا يدرك أن هنالك جيوشاً من الغزاة تعمل على تدميره من الداخل، وبصورة منهجية تفوق قدرة الأجهزة المتقدمة في الألفية الثالثة والقرن الجديد، وتتحدى كل من يعتقد أنه قادر على رصد تحركات خلاياه السرية. تنظيم عظيم إن جاز التعبير يعمل بصمت وبصورة تتفوق على النظام السائد لدى النحل، الذي تدرب على مدى مئات السنين في كيفية التسلل إلى داخل الزهرة من دون أن تشعر كل قوى الأمن والإنذار المبكر. كم هي خبيثة تلك الجحافل من قوات القتل والتدمير، إنها تمتلك قدرة من الذكاء تفوق قدرة العباقرة، وقد استفادت من كل محاولات المقاومة في العصور المختلفة، لتصبح لديها قدرة على الانتشار تفوق في تكتيكاتها أعتى الجيوش، وتهزم كل جنرالات العسكرية سواء في العالم الرأسمالي أو الاشتراكي. وذلك ليس بالمستغرب فهي ناتج تقدم وتخلف كلا المعسكرين. وهنا قد يتبادر إلى الذهن كيف يمكن للنقيضين على مر التاريخ أن يكونا متفقين في قضية واحدة؟. هل هنالك مجال للتحالف بين الصيف والشتاء أو بين الخريف والشتاء؟!
من المؤكد أن لكل فصل من الفصول الأربعة محبين إلا أن الجمع بينهم غير ممكن، بل وربما من الاستحالة الجمع بين المتناقضين، أو بعبارة أخرى لا يمكن تخطي نظرية التضاد، فلا يمكن الجمع بين التفاؤل والتشاؤم، أو بين الأبيض والأسود. إنها معادلة صعبة، لا يمكن تحقيقها إلا (ربما) في المستقبل البعيد، وإلا وقعنا في مجال عدم وضوح الرؤية والابتعاد عن الواقع الذي يميز بين الحق والباطل، اللهم إذا كان الهدف هو السيطرة – بغض الطرف عن النتائج، وهو الذي قد يفسر التقاء المتضادات أو النقائض، لكن يبدو أن هنالك قيماً ثابتة بين القوى المهيمنة على الجسد أو المجتمع. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن بعض المنظرين من علماء الاجتماع يرون المجتمع وكأنه جسد أو كأنه جزء من البيولوجيا أو الكيمياء أو ربما الرياضيات أو الفيزياء ولكن بشكل إنساني؟!
لقد دخلنا في حقل ألغام ومن الصعوبة الخروج منه إلا بآثار سلبية أو ربما إيجابية، تلك هي المعادلة الصعبة. تلك المعادلة التي ظلت تحير العلماء والفلاسفة منذ بدء نشوء نظرية الخير والشر، بين المثاليات والواقعيات. إنها معادلة صعبة، إلا أن التساؤلات تظل هي المفتاح الأساسي أمام المعرفة، وإلا لظل الإنسان يعيش في مرحلة الكهوف، والبحث عن القوت بين الأحراش!.
في هذه اللحظة برزت من بين بنات أفكاري، (وربما يكون ذلك ذكراً أو أنثى)، طرحت السؤال التالي: ماذا تريد أن تقول في هذه المساحة من جريدة تقول الحقيقة من دون إعلانات يومية، أو أن تبرز للوجود على أجساد البشر، وبالتالي تؤكد على حقيقة أن المثقفين أقرب للخيانة، حينما تطلب من إنسان حر أن يقدم اعتذاره لأنه انتقد تلك الآلهة ممن يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة، على حين أنهم أبعد ما يكونون عن الحقيقة وعن أخلاقيات الفرسان. إنهم لا يختلفون في الجوهر عن السرطان الذي يقتل الجميع في زمن العلم والتطور العلمي، ذلك المرض هو نتاج للتطور العلمي سواء في المعسكر الاشتراكي أو الرأسمالي على أن آخر هموم القوى المهيمنة سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية هو الإنسان البسيط في منهاتن أو موسكو أو بغداد. إنه زمن القضاء على الإنسان الباحث عن الحرية، في تل أبيب والقدس والقاهرة وطرابلس – وبالمناسبة لا يختلف مؤلف الكتاب الأخضر عن قائد معركة القادسية الجديدة- فكلاهما أدوات في يد من ساهم في انتشار السلطة القمعية في العالم العربي.
سيدتي عفواً لم أرد أن أقول إن ذلك المرض الخبيث وهو أقوى من الأحزاب اليمينية واليسارية في الفتك بحياة الإنسان، فقد تساوى في ذلك المناضل مع الانتهازي في الموت، إنه السرطان الذي يقتل الجميع من دون رحمة، فهو سجن أبو غريب في مرحلتين مختلفتين، إنها سخرية القدر.