في النسخة الأصلية من فيلم "المرشح المنشوري"، يكون السيناتور "جون آيسلن" ديماغوجياً من الجناح اليميني وذا شخصية مرسومة على غرار شخصية السيناتور جون مكارثي. ويتآمر العملاء الصينيون لوضع آيسلن في البيت الأبيض. وكتب الناقد "روجر إيبرت" يقول إن الخطة اقتضت "استخدام هستيريا مناهضة الشيوعية كغطاء لتولّي الشيوعية زمام السلطة". ولا يحكي الفيلم ما كان آيسلين سيفعله لو أن الخطة نجحت. لكن من المفترض أنه كان سينقلب علناً إلى خائن، أي أنه سيستخدم منصبه لتقويض الأمن القومي، في حين يضع أميركا في موضع المدافع الأقوى والأوفى ضد الشر الشيوعي.
فلنتخيل وجود نسخة حديثة عن الفيلم ومن اختراعي أنا، وفيها سنفترض أن الأعداء هم المتعصبون الإسلاميون الذين سينصّبون شخصاً ديماغوجياً كرئيس دمية موالٍ لهم ويضع الأمة في موقف المدافع ضد الأشرار الإرهابيين. ولن يساعد المرشح "العربي" الإرهابيين علناً، بل سيخدم قضيتهم في حين يتظاهر بأنه عدوهم. فبعد هجوم مفترض، سيردّ على الهجوم بضرب القاعدة الإرهابية كعمل ضروري لصيانة صورة شخصيته التي تميزها الصلابة، لكنه سيسمح للزعماء الإرهابيين بالفرار. وما إن يتحول انتباه الجمهور، حتى يعمد إلى تبديد النصر العسكري فيخصص عدداً قليلاً جداً من الجنود وينقض وعوده بتقديم المساعدات الاقتصادية. وسرعان ما يسيطر زعماء الحرب على معظم ذلك البلد مرة أخرى وتزدهر تجارة الهيرويين ويحقق الإرهابيون المتحالفون عودة ميمونة. وفي تلك الأثناء، سيقود المرشح أميركا إلى حرب ضد بلد لا يشكل تهديداً مباشراً. وسيُدخل في الأذهان، دون أن يقول أي كذبة بالمعنى الحرفي للكلمة، أن ذلك البلد مسؤول عن الهجوم الإرهابي. وستكون الحرب تنفيراً لحلفائنا وتقييداً لجزء كبير من جيشنا. وفي الوقت نفسه، سيهمل هذا المرشح "العربي" مطاردة الذين هاجمونا ولن يفعل شيئاً حيال الأنظمة التي تؤوي الإرهابيين المناهضين لأميركا والتي حقاً تصنع الأسلحة النووية.
ومرة أخرى، سيحرص على تبذير نصر عسكري آخر. وسيقوم المرشح وشركاؤه في المؤامرة بإعاقة كل التخطيط المعني بعواقب الحرب، فيتخذون الترتيبات الخاصة بجيشنا لكي يسمحوا لمحترفي السلب والنهب بتدمير جزء كبير من البنية التحتية في ذلك البلد. بعدئذ، سيحلّون جيش النظام المهزوم فيحوّلون مئات الآلاف من الجنود المدربين إلى متمردين محتملين ساخطين. بعدئذ، سيكون من السهل تنفيذ التخريب المتعمد لعملية إعادة إعمار ذلك البلد، وذلك بمجرد التخلف عن إنفاق أموال المساعدات أو عن كبح المحسوبيات والفساد. وتحدث انقطاعات في التيار الكهربائي، وترتفع نسبة البطالة وتفيض مياه المجارير فيملأ ذلك كله نفوس أعدائنا بالغرور.
ومن يدري؟ فربما يكون المرشح "العربي" قادراً على حرمان أميركا من تفوقها الأخلاقي - وليس في ذلك حيلة خسيسة عندما يكون أعداؤنا من السفاحين مرتكبي المذابح الجماعية- وذلك بخلق مناخ تحرس فيه الولايات المتحدة عمليات تعذيب وإذلال وتجويع السجناء ومعظمهم أبرياء أو مذنبون بارتكاب جرائم ثانوية.
وفي بلدنا نحن، سيترك المرشح "العربي" المفترض أمتنا ضعيفة عرضة للهجوم، فلا يفعل شيئاً لحماية الموانئ والمصانع الكيميائية والأهداف الأخرى المحتملة. بل سيرفض التعاون مع التحقيقات في سبب نجاح الهجوم الإرهابي الأولي. وبإصدار تحذيرات متكررة وغامضة من عمليات إرهابية ولهدف واضح هو التغطية على الأخبار السياسية غير المواتية، سيضمن مسؤولوه وجود لامبالاة لدى عموم الجمهور إذا (وعندما) يتم الإعلان عن مصدر التهديد الحقيقي. وأخيراً وليس آخراً، فإن ذلك المرشح المفترض، باستغلاله التهديد الإرهابي لتحقيق المكاسب السياسية الشخصية، سيقوّض وحدة الأمة في وجه أعدائها فيزرع بذور الشك في دوافع الحكومة.
حسنٌ، هذه نهاية القصة المتخيلة. والرئيس "جورج بوش" ليس في الحقيقة عميلاً سرياً لتنظيم "القاعدة" ويعمل في الظلام ويتولى "ديك تشيني" التحكم به. لكن "الحرب على الإرهاب" التي يشنها السيد "بوش" قد أدت، وعلى نحو مثالي مخيف، إلى تحقيق الفائدة لأسامة بن لادن، هذا في حين أن عيون مؤيدي السيد "بوش"، المعجبين بكلامه الحازم، تراه بطل أميركا ضد الأشرار.
في الأسبوع الماضي، هلّل المسؤولون الجمهوريون فرحاً في ولاية كنتاكي لرؤية لافتات وملصقات جرى توزيعها في مكاتب الحزب الجمهوري وتحمل عبارة تقول "كيري هو رَجُلُ بن لادن/وبوش هو رَجُلي أنا". لم يمض مسؤولو الإدارة إلى هذا الحد، لكن عندما اقترح "توم ريدج" إطلاق تحذير حول هجوم إرهابي يتم توقيته لـ"تعطيل عمليتنا الديمقراطية"، ظن كثير من الناس أن "ريدج" يعني ضمناً أن تنظيم "القاعدة" يريد لـ"جورج بوش" أن يخسر الانتخابات. وفي الواقع أن كل "الكفار" هم على الأرجح سواءٌ في عيون الإرهابيين، لكن إذا كان الإرهابيون يفضّلون أحداً من أولئك على غيره، فليس في سجل السيد "بوش" ما قد يجعلهم غير سعداء حيال احتمال بقائه رئيساً لأربع سنوات أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ