إن دراسة التطور البشري، تعلمنا الكثير من الأشياء المفيدة فيما يتعلق بالمقارنة بين أنواع وكميات الأطعمة التي كان البشر يتناولونها في الماضي وفي الحاضر.سيكون مفيدا لنا على سبيل المثال، أن نعرف أن فصيلة الثدييات الرئيسية بما في ذلك تلك التي تمتلك أرجلا ومخا كبيرا، قد تطورت أساسا على الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم والفقيرة بالصوديوم، وذلك من خلال احتفاظها بالصوديوم ( الذي كان من الصعب الحصول عليه في ذلك الوقت) وتخلصها( على صورة فضلات) من البوتاسيوم الزائد الذي كان متوافرا بكثرة في العديد من أصناف الفواكه والخضراوات.
ولكن الأنظمة الغذائية الغربية السائدة هذه الأيام تتناقض مع مثيلتها في الأزمنة المبكرة من عمر البشر على الأرض، حيث نجدها غنية بالأطعمة المعالجة، الغنية بالصوديوم والفقيرة نسبيا في البوتاسيوم. لذلك نجد أن ما يحدث في هذه الأيام- وفقا لتقرير تم نشره هذا العام بواسطة (معهد الطب) التابع ل(الأكاديمية الوطنية للعلوم)- هو أن معظم الناس يستهلكون وجبات غذائية فقيرة في البوتاسيوم، وذات محتوى عال من الأطعمة المولدة للأحماض، مثل اللحوم وغيرها من البروتينات الحيوانية، التي تستنزف المخزون الموجود في الجسم من هذا المعدن الحيوي( البوتاسيوم). ووفقا للأبحاث التي أجراها المعهد المشار إليه أعلاه، فإن الشخص العادي في أميركا يحصل فقط على ثلثي الكمية الموصى بها من البوتاسيوم يوميا وهي 4700 مليجرام. أما المرأة فإنها تحصل على قدر أقل من ذلك.
وجاء في ذلك التقرير: إن البشر قد انحدروا من أسلاف كانوا معتادين على استهلاك كميات كبيرة من الأطعمة النباتية الطازجة، التي كانت توفر لهم كميات كبيرة من البوتاسيوم. وفي بيئة مثل تلك البيئة، تمكن هؤلاء البشر من تكوين قدرة عالية جدا على التخلص من البوتاسيوم الزائد الموجود في الجسم وإخراجه في شكل فضلات.
ومن المعروف طبيا أن الكلية العادية( غير المصابة) ليست فعالة بما يكفي في الاحتفاظ بكميات كبيرة من البوتاسيوم، وبالتالي فإنها تكون غير قادرة على الحيلولة دون حدوث نقص في تلك المادة،عندما تكون الأنظمة الغذائية المتبعة ذاتها غير محتوية على كميات كافية منها. والبوتاسيوم والصوديوم ومعهما الكلوريد تنتمي إلى ما يعرف باسم الأليكترولايتات""Electrolyt"(السوائل التي تنحل بالكهرباء). وهذه المواد هي التي تنظم الإمكانيات الكهربائية لأغشية الخلايا، وبالتالي قدرتها على توصيل نبضات الأعصاب. ومن المعروف أن البوتاسيوم يترسب داخل الخلايا في حين أن الصوديوم والكلوريد يترسبان خارجها. ويجب أن يتم تحقيق التوازن الصحيح بين كميات المواد الثلاث في الجسم لتحقيق أقصى كفاءة ممكنة في عملية الأيض( التمثيل الغذائي)، والوصول من ثم إلى أفضل أداء للوظائف العصبية/ العضلية للإنسان.ويعتقد بأن زيادة محتوى الصوديوم والكلوريد مقارنة بالبوتاسيوم تعتبر من العوامل الرئيسية المسببة لعدد من الأمراض المزمنة الخطيرة.
والعواقب المحتملة للنقص المزمن في البوتاسيوم لا يتم التعرف عليها عادة حتى بواسطة الاختصاصيين. وتشمل تلك العواقب زيادة ضغط الدم، والأزمات القلبية، والسكتات الدماغية، وحصى الكلية، وهشاشة العظام. ويمكن لنقص البوتاسيوم أن يؤدي أيضا إلى إصابة الجسم بالحساسية للملح، وهو ما يؤدي بالتالي إلى زيادة توتر الإنسان... وهي مشكلة شائعة في أوساط الأميركيين من أصل أفريقي الذين يتعرضون لأخطار التوتر المفرط وما تصحبه من عواقب مميتة بشكل أكبر من نظرائهم من البيض بسبب نقص البوتاسيوم في أجسامهم.
ومعظم الناس عادة لا تكون لديهم أي فكرة عن أعراض نقص محتوى البوتاسيوم في أجسامهم، حيث نجدهم يشتكون من التعب والتوتر والغضب دون أن يكونوا قادرين على تحديد السبب بدقة. ومما يفاقم من خطورة الوضع أن زيادة مستويات البروتين في الوجبات الغذائية تؤدي إلى زيادة تكوين الأحماض في الجسم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى فقد المزيد من الكالسيوم، الذي يعتبر المعدن الأساسي اللازم للمحافظة على سلامة العظام.
وفي التقرير الذي قام بنشره، أنحى المعهد باللائمة على النمط الغذائي الحالي السائد في أوساط الأميركيين، والذي يقوم على تناول وجبات عالية البروتين، وذات محتوى ضئيل من الكاربوهيدرات. فعلى الرغم من أن مثل تلك الوجبات قد تحتوي على الكميات الكافية من البوتاسيوم الذي يتم الحصول عليه من البروتين، إلا أنها تفتقر إلى الكميات الكافية من المواد المنتجة للقلويات التي يتم الحصول عليها من الفواكه مثل البرتقال، والموز، والعنب والتي تساعد على مقاومة نسبة التكون العالية للأحماض، التي تتزايد معدلاتها في الجسم عادة بعد تناول الوجبات العالية البروتين.
وزيادة كمية الأحماض في الجسم، يمكن أن تؤدي إلى زيادة خطر تكوين حصوات الكلى، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من الكالسيوم، وهو ما قد يؤثر سلبا على العظام. والأشخاص الذين يتعاطون عقاقير مدرة للبول بغرض تخفيض ضغط الدم أو لمكافحة ظاهرة استبقاء الج