هم لا يرون أبعد من مصالحهم، لا يفقهون من القول إلا ما يودون سماعه، لا يريدون إلا ما يريدونه وفق نهجهم ومناهجهم. ونحن نحسبهم ملائكة، جنود الله في الأرض، نريد منهم أن ينظروا إلينا بعين الرحمة والعطف وأن يزرعوا لنا أرضهم، ويحلوا تعقيدات المشاكل بيننا، وندّعي أنهم أكثر إنصافاً منا، وأشمل رؤية، وأدعى للاحترام لأنهم يكنون لنا مشاعر ودّ جياشة أكثر اتساعاً من سماوات الأرض والكواكب الكونية كلها.
وهم في اختصارات الأمور وفعلها ونتائجها أكثر تقديراً لإنسانهم، وأبعد نظرة لمستقبل أجيالهم وأكثر حرصاً على مكتسبات أعوام وتواريخ ماضيهم وأحرص في اقتناص الفرص المتاحة وغير المتاحة لحرق المراحل والوصول إلى غايات تخدم أهدافهم المرسومة بدقة وشمولية واضحة لا تستهدف إلا إنسانهم الموقر والمحترم والذي يعامل كأنه صاحب دم ونسب مختلف حتى وإن كانت أصوله بعيدة عن شقرتهم ودمائهم الزرقاء.
ونحن لا نرى في الإنسان إلا عباءة، ونرمي به في غياهب الجب دون وازع، ونتعامل مع البشر كأنهم وجدوا ليخدموا أهل السلطة ويستغلوا كالرق دون اعتبارات إنسانية تذكر، كأنهم قطعان لا بأس من اجتثاث رؤوسها حين تصرخ الأقدار بالمستحيل.
وحين يكون الإنسان متهماً حتى إشعار آخر، فلا يذكر سوى أنه سيكون نتاج إحباط وقهر متواصل يودي بحياته في مهاوي الردى، وحتى أجيالنا هي آخر ما يفكر فيه أو يخطط لمستقبلها.
وهم واعون لقضايا الثقافة والنخب المؤثرة والفاعلة، متميزون في عطائهم الفكري، يعلمون حق العلم أن الثقافة وحدها تسير ركب الحضارة وتذهب بهم نحو قمم متأججة بالنور والحقائق المعلنة.
وهنا تقام المقاصل لمثقف أعلن اعتراضه، ومتحضر ينادي بتحضر السلوك والأداء والفكر، فآخر ما يمكن احترامه هو شاعر أو فنان أصيل. ولأننا أبعد من مجون الفن لا نعلمه، ونشكر فضائياتنا حين تقدم كليباً يحاكي الكليبات الأجنبية ونحارب ما يمكنه أن يكون سبباً في الخطو إلى أمام مؤثر، حسب خطط قادمة متعددة الأهداف والمقاصد.
كلها مقارنات صعبة. نحن نضطر إلى أن نراقبهم، وأن نشم عطر اندفاعهم نحو مصالحهم، أن نلمس ما يرونه هم ولا نراه نحن. إنهم العصبة الأقوى والأنجح لأنهم ببساطة متناهية حققوا ذواتهم مع فريق متكامل. لم يرَ كل واحد ذاته بمعزل عن الجماعة. وحين يكون النجاح باهراً فالتقليد يصبح حينها اضطراراً، والمقارنة واجبة وملحة وربما غير مقصودة. لكن حين يتراءى كابوس الظلم الذي يحياه المواطن وحجم الرفاهية الإنسانية التي يعيشها هناك البشر تتأتى الآراء المستحيلة، والتي تبني لأحلام عذبة، شهية لكنها عصية ومعلقة بغيوم السماء التي لا نعرف منها سوى لونها.
الإنسان هو اختصار لكل المقارنات. وحين ندرك نحن قيمة الإنسان بكينونته وحضوره الحقيقي، حينها فقط يمكننا ألا نقع في أفخاخ المقارنات بل نتجاوزها لإحراز فكر جديد حضاري ومنفتح نحو تغييرات صلبة تحافظ على مكاسب لا يمكن حصرها.