العلاقات بين الدول يمكن أن تكون عاطفية، بقدر ما يمكن أن تكون سياسية واقتصادية كذلك. صحيح أن القوة والمصالح تشكلان عنصراً مهما في تحديد علاقات الدول مع بعضها بعضاً، ولكن الحقيقة هي أنهما ليستا العنصرين اللذين يتحكمان دائماً في تحديد محصلة تلك العلاقات. هناك عناصر أخرى تسهم في تحديد تلك المحصلة. فالقرارات في مجال العلاقات بين الدول تتأثر بحقيقة أن دولة ما قد تحس بنوع من (الود) تجاه دولة أخرى، بسبب اشتراك تلك الدولة معها في القيم والعلاقات الإنسانية أو العقيدة.
فالولايات المتحدة على سبيل المثال، لا تحصل سوى على القليل من المزايا المادية أو السياسية من وراء الدعم المطلق الذي قامت بمنحه لإسرائيل عبر السنوات، بل إن الحقيقة هي أن العكس تماماً هو الصحيح لأن هذه العلاقة الخاصة مع إسرائيل هي التي أسهمت في توريط الولايات المتحدة في تصادم كارثي مع المجتمع الإسلامي.
والأجانب الذين يقولون: إن الموقف الأميركي من إسرائيل يرجع إلى اليهود الأميركيين أو إلى نفوذ اللوبي اليهودي، يتجاهلون حقيقة أن معظم الأميركيين يحبون إسرائيل بالفعل، لأنهم يشعرون بأن هناك صلة سياسية وإنسانية تربطهم معها، وهو ما لا ينطبق على العالم الإسلامي.وقد يظن البعض أن علاقات الود التي كانت سائدة بين الولايات المتحدة وفرنسا، قد تدهورت بسبب إدارة بوش أو بسبب الحرب على العراق، ولكن ما تبين وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة التي أجريت في البلدين، هو أن هذه العلاقات وإن كانت قد تقلصت فعلا إلا أن ذلك لم يتم بشكل دراماتيكي أو بشكل منهجي منتظم.
ففي سؤال في تلك الاستطلاعات عما إذا كانت مشاعر الشعب الأميركي تجاه الشعب الفرنسي قد أصبحت الآن (أكثر وداً) أو( أكثر كرها) أم (لم تتغير)؟.. جاءت الإجابة أن مشاعر التعاطف مع فرنسا قد هبطت من 45 في المئة في مايو 2000 إلى 42 في المئة الآن أي بنسبة انخفاض 3 في المئة فقط. وتبين من تلك الاستطلاعات أيضا أن 42 في المئة من الأميركيين لا يبالون بفرنسا بمعنى أنهم لا يشعرون نحوها بـ(التعاطف) أو (النفور).
أما على الجانب الفرنسي فإن التعاطف مع الولايات المتحدة قد هبط بنسبة 20 في المئة، عما كان عليه في مايو 2002. علاوة على ذلك تبين أن نصف عدد الفرنسيين الذين شملهم الاستطلاع قد أعربوا عن عدم مبالاتهم بأميركا. لذلك فإن ما يمكننا استخلاصه من تلك الاستطلاعات هو أن الأميركيين قد أحبوا وما زالوا يحبون الفرنسيين، أكثر مما يحبهم الفرنسيون وأن ذلك صحيح اليوم مثلما كان صحيحا عام 2000 أيضا. أما الكره الصريح على الجانبين فنسبته واحدة وهي 15 في المئة.
وهنا قد يواجهنا السؤال: هل يمكننا أن نقول بناء على ذلك: إن الدولتين ما زالتا حليفتين حتى اليوم؟ الأميركيون يقدمون إجابات مختلفة عن السؤال، حيث نجد أن 13 في المئة فقط من الأميركيين هم الذين لا يزالون يعتقدون بأن الفرنسيين حلفاء مخلصون اليوم، في حين أن 43 في المئة كانوا يعتقدون ذلك في مايو 2000. وفي الوقت نفسه أعرب 58 في المئة من الأميركيين عن اعتقادهم بأن الفرنسيين لا يزالون حلفاء لأميركا حتى اليوم، ولكنهم ليسوا حلفاء مخلصين دائماً.
وعلى الجانب الفرنسي لا يزال 20 في المئة من الفرنسيين يعتقدون بأن الأميركيين لا يزالون حلفاء مخلصين لفرنسا، مقارنة بـ31 في المئة كانوا يعتقدون ذلك منذ أربع سنوات، في حين قام 64 في المئة من الفرنسيين بوضع الأميركيين في خانة الحلفاء غير المخلصين دائما. وقال ربع عدد الأميركيين الذين اشتركوا في الاستطلاع (24 في المئة): إنهم ينظرون إلى فرنسا اليوم على أنها تشكل عدواً لأميركا، في حين لا تزيد نسبة الفرنسيين الذين ينظرون إلى أميركا على أنها عدو لفرنسا على 12 في المئة.
والخلاصة التي نخرج بها من كل تلك الأرقام، هي أن الأميركيين يشعرون بخيبة الأمل تجاه الفرنسيين أكثر مما يشعر بها الفرنسيون. وعلى الرغم من خيبة الأمل هذه فإن الأميركيين لا يحسون بالضغينة نحو فرنسا والفرنسيين. والدليل على ذلك أنه عندما تم توجيه سؤال إلى الأميركيين يقول: لو نظرنا إلى الأمر من منظور 2004.. فهل كانت فرنسا على صواب أم على خطأ بشأن موقفها من عدم الانضمام إلى أميركا في الحرب التي شنتها ضد العراق؟ أجاب 40 في المئة من الأميركيين، بأن فرنسا كانت على صواب في ذلك الموقف. كما أعرب 46 في المئة منهم عن اعتقادهم بأن أميركا كانت مخطئة في قيامها بالغزو في الأساس.علاوة على ذلك تبين أن الأميركيين أكثر شعورا بالتفاؤل بشأن مستقبل العلاقات الأميركية الفرنسية من الفرنسيين. فنصف الأميركيين الذين تم استطلاع آرائهم
(48 في المئة)، قالوا: إنهم يعتقدون بأن عدم الاتفاق بين فرنسا وأميركا بشأن العراق يعد استثناء، وإن الدولتين على وفاق بشأن المسائل السياسية والاقتصادية والثقافية الكبرى. وهناك 31 في المئة من الفرنسيين يوافقون على هذا الرأي.
ولكن هذا التفاؤل الأميركي العام، يختلف اختلافاً تاماً عن المواقف المعبر عنها من قبل النخب ال