كان متوقعاً أن تجري الجمعية العامة للأمم المتحدة تصويتاً يوم أمس الأول، للمطالبة بإنصياع إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية، وبتفكيك الجدار الذي لا يزال قيد البناء في الضفة الغربية. ويشكل رأي محكمة العدل الدولية علامةً بارزة في الكفاح الفلسطيني. وعلى الرغم من هذا، فإن الأثر الأعظم لذلك القرار قد لا يكون على إسرائيل أو على احتلالها للمناطق الفلسطينية. ذلك أن المحكمة الدولية، بدعوتها الأمم حول العالم إلى فرض قانون حقوق الانسان عندما ينقض عضو دائم في مجلس الأمن الدولي عملية فرض القانون بحق "الفيتو"، قد أكدت من حيث الأساس صلاحية نقض "الفيتو" بفيتو آخر.
ومن غير الممكن أن نبالغ هنا في أهمية هذا القرار، ذلك أن مجلس الأمن الدولي يُعتبرعموماً الهيئة الدولية الوحيدة - التابعة للأمم المتحدة- والتي تتمتع بصلاحيات فرض القانون الدولي. وعلى الرغم من ذلك، فإن المجلس يُمنع في أكثر الأحيان من اتخاذ الإجراءات وذلك على يد أعضائه الدائمين الذين يمكنهم بحق "الفيتو" أن ينقضوا أي قرار يتخذه المجلس. والنتيجة في أكثر الأحيان هي أن الأمم المتحدة تكون عاجزة في وجه الأزمات الدولية. لكن قرار المحكمة الدولية هذا يحمل في أي حال إمكانية لإعادة الأمم المتحدة إلى موقع السلطة، ومن الممكن أن يُحدث تحولاً في الدبلوماسية الدولية.
في السنوات القليلة الماضية، انتقد المجتمع الدولي الولايات المتحدة على إساءة استخدام حق "الفيتو" في مجلس الأمن. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت حق "الفيتو" لنقض 79 قراراً من قرارات مجلس الأمن، وكان نقض نصف تلك القرارات تقريباً يصب في مصلحة إسرائيل. وليس من قبيل المفاجأة أن هناك دولاً اتهمت الولايات المتحدة باختطاف هيئة الأمم المتحدة من خلال استخدام، أو التهديد باستخدام "الفيتو"، وبهذا يبدو أن الولايات المتحدة تقول: أيّدوا السياسة الأميركية، وإلا فإنكم تخاطرون بتحويل الأمم المتحدة إلى ناد للمناظرات والجدل.
وقد تجسد هذا الخوف بفعل الإخفاق الدبلوماسي الذي أدى إلى غزو العراق. فالولايات المتحدة لديها من القوة السياسية ما يفوق بكثير قوة أي أمة أخرى، ولذا كانت قادرة على تنفيذ حملتها على العراق من غير وجود تعاون حقيقي من جهة الأمم المتحدة.
إذاً، ما علاقة هذا بقرار محكمة العدل الدولية أو الجدار الذي تبنيه إسرائيل؟ المحكمة قالت: إن من ضمن سلطتها وصلاحياتها أن تنظر في الدعاوى المقدمة، وذلك إلى حد ما لأن الولايات المتحدة قد أحبطت عمل مجلس الأمن الدولي. وقالت المحكمة: إن ممارسات إسرائيل تشكل "تهديداً للسلام والأمن الدوليين"، ولذا لا بد لمجلس الأمن من أن يتصرف في حالات كهذه. لكن مجلس الأمن، على حد قول المحكمة أيضاً، مُنع من التصرف بفعل "الفيتو" الأميركي. وباعتبار أنها ترى بإجماع أعضائها أن لها السلطة والصلاحية، فإن المحكمة الدولية قد أكّدت من جديد على وجود قوة ذات شأن ضمن الجمعية العامة. فعندما يخفق مجلس الأمن الدولي ويقصّر عن التصرف بسبب قيام عضو دائم فيه بإساءة استخدام حق النقض ""الفيتو""، فإن من الجائز للجمعية العامة أن تتصرف في هذه الحالة، بما في ذلك طلب مشورة المحكمة، غير أن المحكمة أطلقت آراءً وبيانات رسمية أكثر قوة من ذلك باتخاذها قراراً يقضي بوجوب تفكيك كافة أجزاء الجدار الذي تبينه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بما في ذلك القدس الشرقية). فأولاً، "ينبغي على الأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص الجمعية العامة ومجلس الأمن، التفكير في الإجراء الإضافي والأبعد المطلوب لوضع نهاية للوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار". وثانياً، كل الأمم "واقعة تحت التزام يوجب عليها عدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار، وكذلك بعدم تقديم المساعدة أو العون في الإبقاء على ذلك الوضع". ويعني ذلك باختصار أن إسرائيل ليست فوق القانون- أي أن القانون الدولي يُلزم كل أمة بالحرص على انصياع إسرائيل للقانون.
وترسم هذه الآراء بمجملها مساراً للمجتمع الدولي لكي يواجه حق النقض "الفيتو" الذي تتمتع به الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن رأي المحكمة لم يكن مُلزِماً (أي أن المحكمة لا تستطيع فرض تنفيذ القرار)، فإنها أكّدت على أن القانون الذي أسندت رأيها إليه هو قرار مُلزِم بالفعل.
ويطلق هذا الأمر رسالة قوية تقول للولايات المتحدة ما معناه: إماّ أن تمتنعي عن إعاقة حكم القانون باستخدام حق النقض "الفيتو"، أو تخاطرين بتعرضك للإقصاء من تيار الآراء والمنابر العالمي السائد.
ففي الماضي، أشركت القوى الأخرى الولايات المتحدة في "رقصة" الردع المشترك، لكن الآن، وكما توحي المحكمة، ينبغي أن يلعب القانون الدولي ذلك الدور.
ومن الجائز أن يقول المنتقدون: إن محكمة العدل الدولية تخلّت عن الاستنساب القضائي في مقابل تحقيق موقف جيو سياسي مصطنع. لكن العكس تماماً هو الصحيح هنا. فلو أن المحكمة اتفقت مع الموقف الأميركي الذي يرى أنها تفتقر إلى السلطان القضائي، لخاطرت بن