إن الدول الخليجية المصدرة للنفط الخام والغاز الطبيعي ومنها بالطبع دولة الإمارات، اعتادت على اتباع استراتيجية تدعيم وتشجيع قطاع الصناعات التحويلية، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على صادرات النفط الخام وخلق مصادر جديدة للدخل القومي وتنويعها قطاعياً وجغرافياً. وحققت الإمارات في ذلك نجاحاً متميزاً، حيث حققت في السنوات الأخيرة نسبة نمو في مصادر الدخل القومي غير النفطية تقترب من 28%.
وبلغ عدد المنشآت الصناعية العاملة في الدولة في قطاع الصناعات التحويلية في عام 1998 نحو 1695 منشأة، ازدادت عام 1999 لتصل إلى 1859 منشأة، أي بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 10%. ثم ازدادت عام 2000 لتصل إلى 2153 منشأة، وفي عام 2001 بلغت 2497 منشأة، وفي عام 2002 بلغت 2899، أي بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 16%. وهنا نلاحظ أن معدل النمو بحد ذاته متزايد مما يعكس ازدياد عدد المنشآت الصناعية ونموها بشكل كبير ومتسارع. وبالنسبة إلى معدل نمو حجم الاستثمارات في تلك المنشآت والذي يعطي بدوره مؤشراً عما إذا كانت تلك الصناعات كثيفة رأس المال والتكنولوجيا أم أنها كثيفة العمل، نلاحظ أن حجم الاستثمارات في المنشآت الصناعية عام 1998 بلغ حوالي 14373 مليون درهم ثم ارتفع عام 1999 ليبلغ حوالي 21027 مليون درهم، أي بمعدل نمو سنوي 46%. وارتفع عام 2000 ليصل إلى حوالي 23670 مليون درهم، وفي عام 2001 بلغ حوالي 26747 مليون درهم، وفي عام 2002 بلغ حوالي 30224 مليون درهم، أي بمعدل نمو سنوي حوالي 13%.
أما بالنسبة للكثافة العمالية في تلك المنشآت الصناعية ففي عام 1998 بلغ عدد العاملين في تلك المنشآت الصناعية 145534 عاملاً، وازداد عام 1999 ليصل إلى 159991 عاملاً، ثم ازداد عام 2000 ليبلغ 176260 عاملاً، وفي عام 2001 بلغ 193886 عاملاً، وفي عام 2002 بلغ 213275 عاملاً. أي بمعدل نمو سنوي 10%. ويعتبر معدل نمو الكثافة العمالية في الصناعة مؤشراً آخر على ما إذا كانت الصناعة تتبع استراتيجية الفن الإنتاجي كثيف رأس المال كثيف التكنولوجيا أم الفن الإنتاجي كثيف العمل.
ولو قمنا بالربط بين المؤشرات الثلاثة، وهي: معدل نمو عدد المنشآت الصناعية، ومعدل نمو حجم الاستثمارات فيها، ومعدل نمو عدد العاملين فيها خلال الفترة المدروسة، نلاحظ أن استراتيجية الفن الإنتاجي كثيف رأس المال كبديل استراتيجي مناسب لظروف الدولة تبرز بوضوح من خلال هذه المؤشرات. ففي عام 1999 وعلى الرغم من تساوي معدل نمو عدد المنشآت الصناعية مع معدل نمو عدد العاملين فيها، إلا أن معدل نمو حجم الاستثمارات كان كبيراً جداً مما قد يعكس قيام منشآت صناعية كبيرة الحجم نسبياً أو نمو المنشآت الصغيرة وتحولها إلى منشآت كبيرة. وفي عام 2002 نلاحظ أنه وعلى الرغم من تفوق معدل نمو عدد المنشآت الصناعية على معدل نمو حجم الاستثمارات، إلا أن معدل نمو عدد العاملين كان أقل بكثير من معدلي نمو كل من عدد المنشآت من جهة، وحجم الاستثمارات ذاتها من جهة أخرى. وبالتالي فإن هذه المؤشرات تعطي دلالة واضحة على الوعي الاستثماري لدى القطاع الخاص في مجال الصناعات التحويلية وميله الكبير تجاه اتباع استراتيجية الفن الإنتاجي كثيف التكنولوجيا وكثيف رأس المال.
وإيماناً من القطاع الخاص بأهمية التكنولوجيا ودورها في خلق منتجات صناعية ذات جودة عالية وكلفة منخفضة، فإنه يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، وحيث إن مصالحه الخاصة لا تتعارض مع الأهداف العامة للدولة من حيث التركيز على الفن الإنتاجي كثيف رأس المال وتقليل الفن الإنتاجي كثيف العمل إلى أقل ما يمكن، فإن الجهات الحكومية المسؤولة عن الترخيص الصناعي وعن القوى العاملة يجب أن تستغل نقطة تلاقي المصالح بين القطاعين العام والخاص وتعطيها أهمية أكبر وتضع استراتيجيةً لاستغلال هذه النقطة واستثمارها لصالح القوة العاملة الوطنية. وبالتالي تهيئة القوة العاملة الوطنية وتأهيلها للدخول إلى قطاع الصناعات التحويلية.
وأثبتت التجارب أنه حتى الدول التي لديها كثافة سكانية عالية لديها نزعة قوية نحو تفضيل الفن الإنتاجي كثيف رأس المال وكثيف والتكنولوجيا بالطبع وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
1- الجودة العالية التي تتميز بها مخرجات الصناعات كثيفة رأس المال حيث إن الآلة أكثر دقة وحزماً وأقل خطأً من الإنسان، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يفضل المستهلكون السلع الأجود.
2- إن إنتاجية رأس المال تفوق بكثير إنتاجية العمل في كل زمان ومكان. ويستدل الاقتصاديون على ذلك بالمقارنة بين واقع الصناعة في كل من الدول المتقدمة والدول حديثة العهد بالتصنيع.
3- انخفاض تكلفة إنتاج الوحدة الواحدة من المنتجات في الصناعة كثيفة رأس المال عنها في الصناعات كثيفة العمل. وبالتالي فإن المنتج يستطيع المنافسة بكفاءة عالية والحصول على حصة له في السوق.
4- إن كفاءة الإدارة في إدارة المشروعات كثيفة رأس المال تكون أكبر من كفاءتها في المشاريع كثيفة العمل، وذلك لأن تعامل الإدارة مع الآلة أسهل من تعاملها مع الإ