(هذا دفاع عن الأمة العربية والإسلامية ودفاع عن سيادة القانون)!
محمد الرشدان - منسق هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
قد لا تكفي كل علامات التعجب ونظرات الحيرة وزفرات القلب. قد لا تنفع كل صرخات الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأبناء اليتم. قد لا تصل كل توسلات المعتقلين وهم يداسون بالأقدام وتقتلع عيونهم وتجدع أنوفهم. قد لا يفقه عبدة الأصنام معنى أن ينتهك عرض الأم أو الأخت أو الزوجة أو الابنة أو الإبن، ويصور كل ذلك على شريط فيديو ويهرّب للأسواق. قد يعمى بصر وبصيرة عبدة الأصنام عن مشاهدة الجثث المتفحمة والجثث المنتفخة في حلبجة وغيرها.
قد يفقد الواحد منا عقله وهو ينبش مقبرة جماعية ويخرج جمجمة أو فك صبية عرفت ذل الهتك ومهانة الاغتصاب. قد يفقد الواحد منا صوته وهو يسمع فتاوى شيوخ السلطان وهم ينبشون كتب التاريخ وسير الصحابة وشجرة النبوة ليكون صدام سليل البيت الهاشمي!.
قد يحدث كل هذا وتنتهك كرامة الإنسان العربي، ولكن أن يقف محامٍ عربي ليدافع عن الطاغية ويبرر القتل ويزين السحل، فإن الأمر يخرج عن الفهم ولا يمنحنا إلا إشارات على أن هناك خللاً في الجملة العصبية للإنسان العربي، وأن هناك مرضاً نفسياً قد فتك بهذا العربي وأحاله إلى إنسان فاقد للشعور ميت الإحساس، لا بل فاقد لأهلية البقاء في قائمة من يسمون بشراً، أو أنه إنسان يتلوى تحت سياط الشعور بعقدة النقص وحب الصفع والركل ولحس أحذية العسكر ومشاهدة لون الدم.
تحت أية مبررات ووفق أية قوانين وبعد كل هذه الأدلة الدامغة يغدو صدام حسين وزمرته أبطالاً وصناع مستقبل، وهم من سرق الابتسامة، وصادر حق الحياة لأكثر من ثلاثة عقود من شعب صنع الحضارة قبل الإسلام بمئات القرون، وصنع حضارة عربية إسلامية دانت لها الدنيا وامتد شعاع العلم والترجمات فيها ليصل إلى أطراف المعمورة التي عرفها الإنسان في تلكم العصور؟.
أية أمة عربية يتنادى المحامون العرب للدفاع عنها؟ أليست هي ذات الأمة التي جرها صدام حسين وبعصابية المريض النفسي إلى أتون المحرقة؟ أليست هي ذات الأمة التي خانها صدام حسين، واستحل عرض ماجداتها، وأجلس خيرة شبابها على أعرض خازوق عرفته شهية الانتقام؟ أليست هي ذات الأمة العربية التي فيها الكويت التي استباحها صدام وجنده وعاثوا في ترابها فساداً واغتصبوا خيرة بناتها وقتلوا وأسروا وسحلوا خيرة شبابها؟.
المحامي المبجل وجوقة عبدة الأصنام، قليلاً من الحياء ربما يكون علامة فارقة بين طهر المهنة وعهرها. ندرك أنه زمن عربي تباع فيه كل الأشياء، الإنسان والعرض والوطن والماء، ولكن أن نبيع فيه ضمائرنا فتلك مصيبة لا أعرف لها تأويلاً ولا يمكن أن أقبل لها تبريراً.
أدرك أنه من حق صدام حسين أن يقف أمام محكمة عادلة لينال جزاء ما اقترفت يداه، ولست لا أنا ولا غيري من البشر بحاجة إلى محامين أو أصحاب حناجر مجروحة لنقول للعالم هذا هو صدام الذي قتل وخرب وأهدر وفجر في أكبر مأتم إنساني، أليس هو ذات الصدام الذي قتل ودمر وأحرق أطفالاً ونساء ودخل بجيوشه إلى إيران وخاض حرباً كان وقودها ملايين البشر من خيرة شباب وشابات البصرة والموصل وأربيل؟.
أليس هو ذات الصدام الذي أرسل ملايين العراقيين إلى منافي الكون ومطارات الدنيا وملاجئ البؤس في رحلة عذاب إنسانية لا يعرفها الرشدان ولا يدرك معاناتها إلا الراشدون؟. أليس هو ذات الصدام الذي فرق ملايين الدنانير العراقية في أسواق اللهو والسمر وسوق السلاح والبطر؟
كم معتقلاً عربياً كان في سجون الطاغية ولم يتحرك ضمير المحامين العرب لإخراجه من قبو حقير رطب مظلم؟ كم من سجين فكر في السجون العربية لا يسمع به أحد من المحامين العرب من ذوي النخوة والغيرة إلا بعد أن تكشف سره وتتبع مسيرة أسره المنظمات الأجنبية والصحفيات الأوروبيات والمحاميات الأميركيات.
نقول لعبدة الأصنام في عصر التنوير وتقنيات البث المباشر إن محاربة أميركا لا تكمن أساساً في تبرير استبداد الطاغية، ولكن الحرب الحقيقية التي يجب أن يخوضها المحامون العرب تكمن أساساً في الدفاع عن الحقوق المشروعة للإنسان العربي. حقه في الحياة الحرة الكريمة، حقه في التعبير عن الرأي، حقه في انتخاب من يمثله ويدافع عن مصالحه، حقه في أن تكون له مؤسسات تشكل مجتمعه المدني، مؤسسات تمنحه حقوقه وتملي عليه واجباته، حقه في التعليم من المهد إلى اللحد، حقه في الرعاية الصحية، حقه في مسكن نظيف وماء عذب وخبزة وكأس حليب ولو كان قليل الدسم. حقه في أن يعرف أين ذهبت أموال نفط العراق وخيرات العراق وكيف صرفت ولماذا أهدرت؟ حقه في أن يسأل وأن يحصل على الإجابة، لا أن يسأل ويودع السجن ولا يعرف كيف طحنت عظامه.
كيف يكون الدفاع عن صدام حسين دفاعاً عن الأمة الإسلامية في زمن توصم هذه الأمة بالإرهاب، وأن صدام وإن لم تثبت الروايات بعد كان واحداً من أولئك الذين جعلوا العراق حاضنة للإرهاب، ومختبراً لصناعة الشر، ومعسكر تدريب لشذاذ الآفاق من المعتوهين الكارهين للحياة.