نريد أن نسأل قناتي "الجزيرة" و"العربية" عن الجوانب المتعلقة بأخلاقيات المهنة الإعلامية، في مسألة بث الأشرطة التي تسلمها العصابات الإرهابية التي تخطف المدنيين الأبرياء في كل من العراق والمملكة العربية السعودية، وتهدد بجز أعناقهم. هل تعتبر القناتان بث تلك الأشرطة ضمن الحرية الإعلامية، أم أن ذلك يتعارض مع أخلاقيات المهنة الإعلامية؟
تعالوا أولا نسأل السؤال التالي: ما هي المعايير الأخلاقية التي تتحكم في مثل هذه الأمور؟ وما هي حدود المسموح ببثه أو نشره على الملأ عندما يتعلق الأمر بالأمور المثيرة للاشمئزاز والمتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان؟. وآخر: ما هي المسؤوليات القانونية التي يجب أن تراعيها الوسيلة الإعلامية عند بث أية مادة تحتوي على جوانب حقوق الغير وتتداخل فيها حقوق عدة أطراف متنازعة؟
بالطبع لا نستطيع أن نطالب أية وسيلة إعلامية بأن تمتنع عن بث أي خبر، ولكننا نقف قليلا عندما يتعلق بث هذا الخبر بأمرين أساسيين هما:
أولا: تحول بث الخبر إلى دعاية إعلامية تخدم مصلحة طرف ضد طرف آخر.
ثانيا: تدخل الوسيلة الإعلامية في صياغة الخبر وتطويع المعلومات المتاحة، أو بالمفهوم الإعلامي "تسيّس" الخبر لصالح جهة أو ضد جهة أخرى.
وحين نسأل عن الجوانب الأخلاقية في بث رسائل الإرهابيين الذين يخطفون المدنيين الأبرياء بالصوت والصورة، فإننا نتكلم عن أخلاقيات المهنة وعن المسؤولية الملقاة على عاتق الوسيلة الإعلامية في التفريق بين الغث والسمين وبين الخبيث والطيب وبين القبيح والجميل. فمجرد بث تلك المادة المصورة وهي تحمل صوت الإرهابيين وهم يهددون ويتكلمون باسم الإسلام والدين والعروبة، ويطلقون على أنفسهم أسماء ومصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان، هو نوع من الدعاية لهم.
ولكن الأمر يتحول إلى هدم لكل المبادئ والأخلاقيات المهنية حين تقوم قناة أو وسيلة إعلامية بتقديم الخبر مع نوع من "التسييس" بحيث يضفي على التفاصيل رائحة الدعاية والترويج لتلك الجماعات.
والسؤال الذي يدور في بالي، وأتمنى أن أجد له إجابة لدى تلك القنوات والفضائيات العربية التي تسمح مبادؤها ببث تلك المواد بالصوت والصورة: ترى لو تم القبض على زعيم لعصابة تهريب المخدرات في إحدى دول المنطقة التي نعيش فيها، ثم حكمت المحكمة عليه بالسجن المؤبد أو بالإعدام، وقامت عصابته باختطاف أحد رعايا هذه الدولة وهددت بقطع عنقه إذا لم يفرج عن زعيم العصابة، وبث التهديد على شريط فيديو مسجل، وسلمت الشريط للفضائيتين العربيتين اللتين تخصصتا في بث مثل تلك المواد... هل ستقومان ببثه؟.ولو قامت العصابة بقتل الرهينة بنفس الهمجية التي يقتل بها الإرهابيون في العراق والسعودية الأبرياء، فهل ستقوم الفضائيتان العربيتان أيضاً ببث عملية القتل؟
أعتقد أن أي عاقل يتفق معنا على أن ما يفعله الهمجيون الذين يقتلون الأسرى الأبرياء بهذه الوحشية، لا يختلف عن همجية عصابات القتل والإجرام ومافيا المخدرات، وإن كانت مافيا المخدرات أشرف من الإرهابيين، ورغم تشابه أفعالهم تقريباً، إلا إن عصابات المافيا لم ترتكب حتى الآن الأفعال التي ارتكبها أولئك الذين فقدوا أية ذرة إحساس أو أي انتماء للجنس البشري.
إن عرض أشرطة الإرهابيين وهم يستمتعون بتعذيب إنسان بريء والتهديد بجز عنقه، هو قمة البشاعة. ولكن الأبشع من هذا الفعل هو بث هذا القبح على الملأ وتحول الوسيلة الإعلامية إلى بوق للمجرمين. وهذا ما يشجع هؤلاء المرضى والمهووسين على التمادي في أفعالهم الدنيئة تلك.