شكّل انهيار الشيوعية السوفييتية أعظم تقدم في مصلحة قضية الحرية في أواخر القرن العشرين، لكنه ترك وراءه إرثاً كان من شأنه تعقيد الكفاح في سبيل التغلب على الإرهاب في القرن 21. بينما تعمل الولايات المتحدة وروسيا معاً لتفكيك الترسانات النووية، يسعى الإرهابيون والدول المارقة إلى الحصول على المواد اللازمة لصنع الأسلحة النووية و"القنابل القذرة".
وتحتل حماية المواد النووية والإشعاعية رأس قائمة الأولويات في الولايات المتحدة وروسيا والدول الأخرى. وعلى رغم أن معظمها متركز في دول الاتحاد السوفييتي السابق، فإنها موجودة أيضاً في بلدان أخرى حول العالم، وهي تشكل تهديداً هائلاً إذا وقعت في الأيدي الخطأ.
في أعقاب الحرب الباردة مباشرة، تركّزت برامج منع الانتشار النووي على تقليص وحماية الأسلحة النووية والمواد النووية في الاتحاد السوفييتي السابق. وفي عام 2001، وسّع الرئيس "بوش" هذه البرامج وسرّعها، غير أنه والرئيس "بوتين" جعلا من منع الانتشار النووي أولوية شخصية. وطوّرت الولايات المتحدة علاقات عمل أفضل بكثير مع نظرائنا في الحكومة الروسية، وحققنا نجاحاً في إدخال بلدان أخرى إلى هذا المسعى.
ويدعو أحدثُ طلبِ ميزانية تقدم به الرئيس "بوش" إلى تخصيص 1.35 مليار دولار للبرنامج الدفاعي المعني بمنع الانتشار النووي- أي أكثر بنحو 75% تقريباً من أكبر طلب ميزانية تقدمت به الإدارة السابقة- وقمنا بتقصير الجداول الزمنية ووسّعنا نطاق الكثير من البرامج المهمة المعنية بمنع الانتشار النووي.
وسرّعت وزارة الطاقة جهودها لحماية 600 طن متري من المواد النووية الروسية القابلة للاستخدام في الأسلحة النووية. وبحلول نهاية السنة الحالية، سنكون قد أنجزنا حماية أكثر من 46% من هذه المواد، وفي الفترة 2003-2004 سنكون قد أنجزنا حماية كمية تفوق الكمية التي قمنا بحمايتها في أية فترة سابقة. وسننهي هذا العمل بحلول عام 2008، أي قبل سنتين من الموعد الزمني المقرر الذي ورثناه.
وسرّعنا استعادة نحو 10 آلاف مصدر إشعاعي عالي الخطورة في الولايات المتحدة، كما ساعدنا البحرية الروسية على حماية وقودها النووي ومواقع رؤوسها الحربية بأسرع ممّا كان في الخطة الأصلية، وسرّعنا عملاً مماثلاً في مواقع عسكرية أخرى. ونقوم الآن بتركيب معدات للكشف عن المواد النووية في المطارات الدولية والمعابر الحدودية، كما نعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفعيل المبادرات الهادفة إلى تحديد مواقع المواد القابلة للاستخدام في الأسلحة النووية وإلى حمايتها حول العالم.
وفي ربيع السنة الماضية، بدأت وزارة الطاقة الأميركية برنامجاً جديداً مع روسيا لرفع مستوى أمن مواقع قواتها الصاروخية الاستراتيجية. وبحلول نهاية هذه السنة، سنكون قد أنجزنا حماية موقعين، ونحن نعمل لحماية المواقع الـ15 المتبقية بحلول نهاية عام 2008.
وتشتمل المبادرات الأميركية الأخرى على "الشراكة العالمية ضد انتشار مواد وأسلحة التدمير الشامل" والتي دعا إليها الرئيس "بوش" وتبناها زعماء مجموعة الثماني. وقد وفّر برنامج الشراكة، ومدته 10 سنوات، موارد جديدة، وهو يُشرك دولاً أخرى في مساعي منع الانتشار. وأمّنت هذه الشراكة تعهدات بتقديم 17 مليار دولار من أصل المبلغ المستهدف وقدره 20 ملياراً على الأقل- وهو رقم نعتقد أنه ينبغي أن يكون حداً أدنى وليس حداً أقصى.
إننا نتقدم بنشاط في هذه البرامج وفي البرامج الأخرى الكثيرة، لكننا سنخدع أنفسنا وسنعرّض مواطنينا للخطر إذا قلنا إننا فعلنا ما فيه الكفاية. وهذا هو ما دفع الولايات المتحدة، في "فيينا" في مايو الماضي، إلى اقتراح "مبادرة تقليص التهديد العالمي" وذلك بهدف التخلص من أو التصرف بسلسلة أوسع من المواد النووية والإشعاعية حول العالم.
وبموجب هذه المبادرة، سنعمل في شراكة مع روسيا لاستعادة الوقود النووي الروسي المنشأ من المفاعلات البحثية حول العالم، وإعادته إلى روسيا لتخزينه أو التخلص منه بطرق آمنة. ونحن نسعى إلى تحقيق ذلك ليس في فترة 3 أو 8 سنوات، بل سننجزه بحلول أواخر السنة القادمة. ونعمل أيضاً لإعادة كل وقود "اليورانيوم" المستنفد العالي التخصيب والروسي المنشأ بحلول عام 2009. وفي الوقت الحاضر، هناك 4 أطنان من هذا الوقود في 20 مفاعلاً موزعة على 20 بلداً.
وثاني الملامح الرئيسية لهذه المبادرة هو إكمال إعادة وقود "اليورانيوم" العالي التخصيب الأميركي المنشأ من المفاعلات البحثية، وكميته تعادل حوالي 40 طناً مترياً في أكثر من 40 موقعاً حول العالم. ويشتمل هذا المسعى على عدد من التحديات القانونية والدبلوماسية، لكننا نعتقد أن إعادة معظم هذا الوقود ممكنة في غضون 4 إلى 5 سنوات.
وثالث الملامح الرئيسية لهذه المبادرة هو تحويل نواة كل واحد من المفاعلات البحثية المدنية التي تستخدم وقود "اليورانيوم" المستنفد العالي التخصيب بحيث تستخدم بدلاً منه الوقود منخفض التخصيب. وهناك الآن ثُلث المفاعلات تقريباً التي إما تخضع الآن