في تقدم باتجاه تقنية جديدة، من شأنها التقاط صور ثلاثية الأبعاد للبروتينات وغيرها من الجزيئات الأخرى، تمكن العلماء من تطوير التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي، وهو وسيلة قادرة على استقصاء الإلكترون الواحد في الأجسام التي يجري تصويرها. ولهذه التقنية فوائد عديدة يمكن أن تجنى منها، على حد قول الدكتور دانييل روجار مدير مركز دراسة الأجسام الدقيقة في مركز بحوث "آي. بي. إم" في سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، ورئيس الفريق العلمي الذي يضطلع بالتجربة. جاء ذلك في تصريح له، ضمن كشفه عن النتائج التي توصل إليها الفريق، وهي النتائج التي تم نشرها في العدد الأخير من مجلة "الطبيعة". وأضاف الدكتور روجار قائلا، إن هناك آلافاً من خلايا البروتين، غير المعلومة تكويناتها وتركيباتها في جسم الإنسان. وأوضح أن أشكال البروتين وتكويناته، هي التي تمكنها على الأرجح، من القيام بدورها ووظيفتها في الجسم. هذا ويأمل العلماء والباحثون، في أن تقود معرفة هذه التراكيب والتكوينات، إلى اكتشاف علاجات وعقاقير طبية جديدة، أكثر فاعلية في علاجها للأمراض. لكن وعلى الصعيد العملي فإن تحديد أشكال وبنية البروتينيات، يتم على نحو مباشر، وهو بالتأكيد مهمة في غاية الصعوبة والمشقة. والذي جرى إنجازه حتى هذه اللحظة هو تنقية البروتينات من الشوائب والعوالق الأخرى، وإعادة تركيبها وتجميعها في شكل بلورات، ثم استخلاص أشكالها من خلال البلورات الملتقطة بواسطة الأشعة السينية.
أما في المستقبل، فسيكون في مستطاع العلماء، التقاط خلية من الخلايا البروتينية، وإدخالها في جهاز للتصوير بواسطة الرنين المغناطيسي، ومن ثم التقاط صورة ثلاثية الأبعاد لها، على أن تلك الصورة بإمكانها التقاط خلية بروتينية واحدة فحسب، مما يعني مدى دقة التقنية المستقبلية المرتقبة وفاعليتها. وما سيحدث في هذه الحالة- والتوضيح لا يزال جارياً على لسان الدكتور روجار رئيس الفريق العلمي- هو أن هذه التقنية ستكون دقيقة بمستوى دقة التنظير بواسطة الرنين المغناطيسي في المجال الطبي، حيث يستطيع الرنين المغناطيسي مد الأطباء والمعالجين، بصور بالغة الدقة عن خلايا الجسم والخلايا الدموية، ويمكنهم من التوصل إلى تشخيص دقيق لحالة المريض.
والأكثر أهمية من ذلك، أنه سيكون بوسع الصور ثلاثية الأبعاد، الملتقطة للخلايا البروتينية، الكشف عن تفاعل الخلايا المعنية، مع الأدوية والعقاقير الطبية المستخدمة لعلاج الخلايا المريضة منها. كما يمكن للتقنية ذاتها، أن تتعرف على الفيروسات والميكروبات وتمكن الأطباء من اتباع وسائل أكثر موثوقية ودقة في التشخيص والعلاج. وللتقنية فوائد متعددة أخرى، كما ذكر آنفاً، منها قدرتها على التعرف على أسلحة الدمار الشامل البيولوجية. بل تستطيع أن تحدد بدقة تامة، موضع الذرات المعينة، من الأجهزة المطورة جزيئيا. والمعروف أن الأجهزة المطورة جزيئياً المستخدمة اليوم، ومنها المناظير التي تعمل بالنظام الذري، لا تتجاوز قدرتها مسح السطح الخارجي فحسب، للخلايا والجزيئات، دون أن تتمكن من التقاط صورة ثلاثية الأبعاد لها.
لهذا السبب، فإن التفوق على التقنيات القديمة، سيكون حليف هذه التجارب الجديدة، التي يرى الدكتور جون إي. مارون أستاذ الكيمياء في جامعة كورنيل، أنها ستغير وجه العلم كله فيما يتصل بدراسة تكوينات الخلايا البروتينية. يذكر أن الدكتور مارون، لم يكن طرفاً ولا عضواً، في فريق البحث العلمي الذي اضطلع بهذه التجارب الجديدة، إلا أن ذلك لم يمنعه من رؤية فوائدها ومزاياها، والإشادة بما تبشر به من فتوحات علمية كبيرة واعدة. بل إن الدكتور مارون لا يقصر تلك الفوائد على مجال دراسة الخلايا البروتينية وحدها، وإنما يعممها على كل من الكيمياء والفيزياء، والعلوم بصفة عامة. وفي تقريظه للتجربة، قال الدكتور إنها تأتي نتاجا لتراكم وتواصل سنوات عديدة من العمل في مركز آي. بي. إم. للبحوث، وإنها تمثل معلماً علمياً بارزاً باتجاه اكتشاف جديد، يمكن البشرية قريباً من التقاط صورة ثلاثية الأبعاد للجزيئات والخلايا البروتينية.
وضمن الفوائد والاستخدامات المرتقبة للتجربة، إمكانية تطبيقها مستقبلا، فيما يعرف بالآلات الحاسبة الكمية، وهي نوع من أجهزة الكمبيوتر التي تستخدم لحساب مستويات مختلفة من الاحتمالات في لحظة واحدة، وتتصف بمواصفات أعلى وأكثر سرعة بما لا يقاس إلى الأجهزة العادية شائعة الاستخدام حاليا. وفي حال استخدامها، فإنه سيكون في وسع هذا النوع من الكمبيوتر، أن يستخدم الإلكترونات المغناطيسية الموجهة لاختزان المعلومات والبيانات. وعندها سيكون ممكنا استغلال تجربة وبحوث آي. بي. إم. في كتابة وقراءة المعلومات المختزنة في الجهاز.
هذا وتكمن ميزة التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي، في حقيقة أن النظائر الجزيئية الدقيقة، مثل الإلكترونات ونواة الذرة، تعمل وكأنها قضبان مغناطيسية صغيرة الحجم، لكونها تدور في حالة وضعها في قضيب مغناطيسي. والذي يحدث في مجال استخدام تقنية الرنين المغ