الانتخابات هي أهم رموز الديمقراطية على الإطلاق. وقبل حدوث تفجيرات مدريد بوقت طويل، كان واضحاً أن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2004 ستكون مستهدفة من قبل تنظيم "القاعدة". والآن نرى أن هذا التهديد قد أصبح أكثر تجسداً ووضوحاً، بعد التحذير الذي وجهه وزير الأمن الداخلي الأميركي توم ريدج. وحاجتنا إلى توفير الحماية لأنفسنا ضد التخريب الذي قد ينشأ عن القيام بهجوم إرهابي، بدت واضحة في الخطاب المرسل إلى "ريدج" من "دي فروست بي سواريز جي. آر" رئيس لجنة دعم الانتخابات الأميركية المنشأة حديثاً، والذي حذر فيه من أنه ليس من حق أية جهة تأجيل أو تعليق الانتخابات في حالة حدوث كارثة. وليس هناك من شك في أن وزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي.آي) وغيرهما من الوكالات، ستبذل قصارى جهدها للحيلولة دون وقوع هجوم أو هجمات تستهدف انتخاباتنا. بيد أن ذلك وحده لا يكفي لأنه إذا ما وقع هجوم علينا فإننا سنجد أنفسنا أمام عشرات من الأسئلة التي تتطلب إجابة، وأمام ثغرات في القانون والدستور يمكن أن تخلق حالة من الفوضى الشاملة. وإخفاقنا حتى الآن في الاشتباك مع المشكلات المختلفة التي تواجهنا، جعل الوقت المتاح أمامنا غير كافٍ لسد الثغرات الخطيرة.
أولى هذا الثغرات هو السلطة القانونية اللازمة لتأجيل الانتخابات. وعلى رغم أنه قد تم تأجيل انتخابات المجالس البلدية في نيويورك عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنه لم يسبق أن تم تأجيل انتخابات على المستوى الفيدرالي في الولايات المتحدة الأميركية من قبل.
وعلى رغم أن المسؤولين عن الانتخابات المحلية، وانتخابات الولايات، يمتلكون سلطات معينة في دوائر اختصاصهم إلا أن تحديد تلك السلطة مقيد بإطار دستوري، يعطي الكونجرس وحده السلطة الخاصة بتحديد الوقت والمكان وطريقة الانتخابات سواء كانت انتخابات الكونجرس ذاته أو الانتخابات الرئاسية. وأي هجوم على ولاية معينة أو مدينة في ولاية في يوم الانتخابات أو قبله يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرار بتأجيل التصويت. ولكن هذا الخيار غير مرغوب فيه، لأن تأجيل الانتخابات في مدينة أو ولاية معينة يمكن أن يؤثر في نتيجة الانتخابات برمتها، لأن الناخبين في تلك المدينة أو الولاية سيكونون قد عرفوا – عندما يقومون بالتصويت في وقت لاحق- نتيجة التصويت في الولايات الأخرى وهو ما قد يؤثر إلى حد كبير على خياراتهم، وعلى النتيجة العامة للانتخابات بالتالي.
وتأجيل الانتخابات على المستوى الوطني، يحدث فقط إذا ما كان التخريب الذي حدث في الانتخاب واسع النطاق لدرجة تجعل عدداً كبيراً من الناخبين غير قادرين على التصويت. ومثل هذا النوع من القرارات- وهو أكثر القرارات التي يمكن تخيلها من حيث الحساسية والخطورة- لا يجب أن يتم اتخاذه بواسطة مسؤول من مسؤولي الإدارة مثل وزير العدل مثلا، أو بواسطة لجنة غامضة لا تحظى بشرعية واسعة النطاق. كما لا يجب أيضاً اتخاذ مثل ذلك القرار بشكل أحادى من جانب مسؤول انتخابات محلي، أو وزير في ولاية معينة.
فالمسألة تحتاج إلى صدور قرار من الكونجرس بشأن تأجيل الانتخابات الرئاسية. بيد أن ما نراه أمامنا هو أنه لم يتم اتخاذ خطوات معينة في هذا الاتجاه حتى الآن، كما لم تعقد جلسات استماع، ولا حلقات نقاشية ولم يتم تقديم مشروع قانون. إذن، ما الذي يتعين علينا عمله؟
يجب على الكونجرس تمرير قانون يتم بموجبه إنشاء لجنة مكونة من مجموعة منتقاة من الشخصيات، يفوض لها الكونجرس سلطة اتخاذ القرارات الخاصة بتأجيل الانتخابات الرئاسية، في أعقاب وقوع هجوم إرهابي أو كارثة طبيعية كبرى. وهذه اللجنة يجب أن تتكون من أشخاص معروفين جيداً، ويتمتعون بالنزاهة، ولا تشوب سمعتهم شائبة، كما يفضل أن يكون بينهم بعض الأشخاص من ذوي الخبرة في إدارة الانتخابات. ويمكن أن نختار أيضاً بعض الشيوخ والنواب السابقين، وبعض أعضاء مجلس الوزراء السابقين، وقادة قطاعات الأعمال والعمل والتعليم الذين يتمتعون بسمعة طيبة.
ولتيسير عملية تفويض سلطة الكونجرس إلى مثل هذه اللجنة، فإن الحاجة قد تدعو إلى قيام الرئيس شخصياً بتعيين هؤلاء الأعضاء على أن يتم التصديق على ذلك التعيين من قبل مجلس الشيوخ بعد ذلك. ولكن هناك إمكانية أيضا لتكوين هذه اللجنة بناء على قوائم يتم إعدادها من قبل زعماء الكونجرس. ويجب أن يكون معروفاً أن هذه اللجنة ستقوم بالعمل في حالة واحدة فقط وهي حالة حدوث كارثة وطنية تستدعي أن تقوم جهة ما باتخاذ قرار، وأنها سوف تعمل وفقا لمجموعة محددة من التوجيهات التي تجعل من أي قرار بتأجيل الانتخابات كلياً أو جزئياً قراراً لا يتم اللجوء إليه إلا كخيار أخير. ولا يتم تمريره إلا وفقاً لإجماع عريض يتطلب موافقة ثلثي أعضاء اللجنة على الأقل.
وهناك حاجة إلى القيام بإجراءات أخرى. فمن الممكن جداً أن يؤدي الهجوم الإرهابي إلى إتلاف دفاتر تسجيل الناخبين في مدينة معينة أو في ولاية، أو قد يؤدي إلى العجز عن تشغيل ماكينات التصويت نتيجة تخريب شبكة