تزامنت زيارة وزير الخارجية الأميركية كولن باول للخرطوم مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وهذا دليل جديد على الضغوط الأميركية والدولية معاً على السودان. وقد تعهدت الحكومة السودانية للأول بإنهاء الأزمة في إقليم دارفور السوداني وحل ميليشيات الإقليم وهم من قبائل "الجنجاويد" الدارفورية وإزالة جميع العراقيل أمام المعونات الإنسانية واستئناف المحادثات السياسية مع جماعات المتمردين، وقبول عدد أكبر من المراقبين الدوليين لوقف إطلاق النار للعمل مع مراقبي الاتحاد الإفريقي. وإذا ما أخلّت الحكومة بتعهداتها فلابد من قرار دولي يصدره حينذاك مجلس الأمن.
وزع الوفد الأميركي مشروع قرار على أعضاء مجلس الأمن ويشمل المشروع إجراءات ملزمة لجميع الدول بموجب الفصل السابع من الميثاق. ويبدو أن كوفي أنان أصبح ناطقاً بلسان القوة المسيطرة إذ قال متحدث باسمه "هناك أدلة وافرة على أن حكومة السودان ساعدت في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في دارفور". وطلب مشروع القرار من جميع الدول اتخاذ إجراءات لمنع وصول أية معونة عسكرية إلى ميليشيا "الجنجاويد". وأمهل مشروع القرار مجلس الأمن 30 يوماً ليقرر بعدها ما إذا كان يستوجب التطور توسيع نطاق العقوبات.
وهكذا يتم تدويل الأزمة السودانية من مدخل دارفور التي غدت بعد مشكلة الجنوب السوداني الهم الأول. فهي ذات آثار إنسانية مباشرة أفرزت نازحين داخل السودان ولاجئين خارجه، ما عدا القتلى والجرحى وانتهاكات حقوق الإنسان. ثم إن مواقف دولية أجمعت على كارثية الوضع في دارفور حيث تلاقت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ووزير الخارجية الأميركية مع موقفي الاتحاد الأوروبي وقمة الثماني، وضغوط وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء المجتمعات المدنية في الغرب، حتى أن تلك المجتمعات أجرت مقارنات بين ما ارتكبته القوات الأميركية من بشاعات في العراق وبخاصة في سجن أبو غريب، وبين ما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم في احتلالها الأراضي الفلسطينية.
يضاف إلى ذلك أن الإدارة الأميركية الحالية تحتاج في هذا الوقت بالذات إلى إعلان نجاحها في إلزام الحكومة السودانية بحل مشكلة دارفور بعد أن ضغطت بشأن جنوبي السودان وفصله عن الطرف العربي وإن كان هذا الفصل سيتم بعد 6 سنوات تنفيذاً لحق تقرير المصير ولاتفاقية مشاكوس. ولعل زيارة كولن باول مع الأمين العام للأمم المتحدة تدخل في إطار قدرة الإدارة الأميركية الحالية على التأثير على الأمين العام بالشكل المناسب وفي إطار المساعي الأميركية لإكمال قصة نجاحها في السودان، بعد أن نجحت في فصل بعض أطراف الوطن العربي عن جسم هذا الوطن وذلك بدفع حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان إلى التوصل إلى اتفاقيات سلام توقف أطول حرب أهلية في أفريقيا.
لقد تحركت دارفور بعد أن لحظت الانتصار الذي حققته الحركة الشعبية لتحرير السودان في مشاكوس فطلب متمردوها – وهم حركتان – إقامة منطقة حظر للطيران العسكري وتسهيل حركة عمال الإغاثة ومحاكمة جرائم الحرب التي ارتكبتها الميليشيات العربية وعودة النازحين ثم البدء بمفاوضات سياسية مع الحكومة التي وجدت نفسها في دوامة أعتى الحملات السياسية والإعلامية العالمية، التي وصفت ما يجري في دارفور على أنه مذابح تطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وقد سعت الحكومة السودانية إلى محاصرة الأزمة فعملت على تكوين لجنة تحضّر لمؤتمر يحل المشكلة، وتكوين لجنة قضائية تحقق في اتهامات انتهاكات حقوق الإنسان وتوصل الإغاثات الدولية إلى مستحقيها.
ولعل الحكومة السودانية تدرك أو تعرف أكثر مما يعرف المواطنون السودانيون أو العرب أن الأمر يتعلق بتشذيب أطراف الوطن العربي وقص بعض هذه الأطراف إذا لزم الأمر. كما يتعلق الأمر بمواجهة مباشرة بين الإسلام والوثنية وإسرائيل. وتريد الإدارة الأميركية الحالية أن تنصر الوثنية وإسرائيل على الإسلام وأن تزعزع بعض أطراف الوطن العربي. لذلك يبقى رأي الرئيس السوداني حكيماً بأن حل أزمة دارفور يجب أن يتم في إطار السودان لأن أهل السودان أكثر دراية بكيفية حل مشكلاتهم. ولا يمنع هذا الرأي الالتزام بوقف إطلاق النار والتأكيد على مبدأ الحوار السياسي فهو كفيل بحل جميع المشكلات، مثلما أن الحصول على تعاون الخرطوم سيكون مفيداً أكثر من فرض عقوبات عليها.