مرة أخرى تتجه أنظار المراقبين والمعلقين السياسيين صوب العاصمة الإريترية في انتظار ما سيتمخض عنه اجتماع هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض. وما كان لهذا الاجتماع أن يحظى بكل هذا الاهتمام لو لم تكن القضايا المطروحة أمامه إضافة إلى الوضع السياسي الماثل كلها مسائل تستحوذ على الاهتمام الشعبي وينظر إليها بوصفها قضايا مصيرية. إن هذا التجمع الذي يضم أغلب الفصائل المعارضة السياسية والنقابية والجهوية عليه أن يقرر في هذا الاجتماع ما يرى بشأن اتفاقيات (نيفاشا) الأخيرة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها الدكتور قرنق الذي سيشارك على رأس وفد كبير في اجتماع أسمرا المشار إليه.
ومعلوم أن هذا التنظيم المعارض أبدى أكثر من مرة موافقته على الإطار العام للاتفاقيات ورحب ترحيباً حاراً بإنهاء الحرب الأهلية وبداية مرحلة السلام والانتقال بها خطوة بعد خطوة لإقامة النظام الديمقراطي ولكنه في ذات الوقت أوضح أنه يعترض على أن يكون الاتفاق بين فصيلين فقط (الحكومة والحركة) وأنهما معا لا يمثلان أغلبية الأمة السودانية، وظل على الدوام يتمسك بأن تُشرك كل القوى السياسية والنقابية والجهوية في المفاوضات. ولما كانت هذه الفرصة قد زالت الآن فإن التجمع يسعى ليكون (تنفيذ) الاتفاقية وفق اتفاق جماعي ولا يقتصر على الفصيلين اللذين وقعاها فقط.
كذلك ينبغي على هيئة قيادة التجمع أن تقرر الخطوة المقبلة لقادة فصائلها وضرورة عودة الجميع من المنافي لممارسة النشاط السياسي (معارضة أو اتفاقاً) مع الحكم من داخل السودان. فهناك قناعة الآن بأن مرحلة العمل المعارض من خارج السودان انتهت ولابد من العودة.
إن من أدق وأعقد النقاط التي ستناقش في اجتماع هيئة التجمع المنعقد الآن في أسمرا هي هل يوافق المعارضون على المشاركة في أجهزة الحكم خلال الفترة الانتقالية ويرضون بنسبة لا تزيد على 14% من جملة مقاعد الحكم الرئيسية، أم يكون الأفضل للتجمع أن تبقى فصائله كلها في المعارضة حتى يحين موعد الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في نهاية العام الثالث من الفترة الانتقالية ذات الأعوام الستة. إن لكل من وجهتي النظر مؤيدين ولكل منهما منطقه وحججه. وبديهي أن قرنق وجماعته سيكونون من مؤيدي المشاركة في الحكم إذ ستؤول إليهم نحو ثلث المناصب، إضافة إلى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية. ويظل بديهياً أن تناقش هيئة قيادة التجمع أزمة دارفور، وهي هيئة مؤهلة لذلك لأن حركة تحرير السودان أو الحركة التي تحمل السلاح في دارفور صارت عضوا في التجمع ولذا صار لزاماً عليه أن يوضح وجهة نظره في هذه الأزمة وأن يطرح رؤاه في الحل.
إن التجمع المعارض فقد قدراً كبيراً من نفوذه وقواه ومدى تمثيله لأغلبية أهل السودان بانسحاب حزب الأمة منه قبل نحو أربعة أعوام ولكن حزب الأمة رغم انسلاخه عن التجمع لم يتحالف مع الحكومة، بل إنه أبدى في الفترة الأخيرة تعاطفاً واضحاً مع التجمع واستعداداً للوصول معه إلى مستوى من التوافق السياسي لخوض الفترة الانتقالية معا. ولهذا فإن أملا كبيراً يعلقه المعارضون على اجتماع رئاسي سيعقد في القاهرة بعد اجتماع أسمرا ويضم كلا من محمد عثمان الميرغنى رئيس التجمع والصادق المهدى زعيم حزب الأمة ورئيسه و جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان.