بعض شركات القطاع الخاص في مجتمعنا تتعامل مع العاملين فيها وفق نظرية (السّخرة)، تاركة بذلك قوانين العمل والعمال بالدولة وراء ظهرها، مستخدمة سلاح التأشيرة والإقامة والتهديد بإلغائها، بل وحرمان صاحبها حرماناً تاماً من دخول البلد إذا ما حدثته نفسه بشيء حتى لو اشترى إقامته وكل مترتباتها من جيبه الخاص. إن استغلال حاجة العامل إلى العمل الذي يحفظ ماء وجهه المهدر على عتبات "الأرباب" يعني إضافة المزيد من الأعباء الوظيفية على عاتقه حتى "يطفش" ويأتي بغيره وخاصة أن أبواب المشاريع الضخمة مفتوحة للجميع، فمن لا يعجبه هذا الوضع فلينطح الجبل إذا أراد اعتراضاً على الظلم المركب الذي يقع على ألوف العاملين من شتى الجنسيات.
ومما يبعث على التذمر الداخلي هو ادعاء بعض الشركات تطبيق أفضل المقاييس والبحث للعامل عن بيئة عمل مشابهة للدول المتقدمة. إلا أن بعض الأفرع وبمجرد إمساكها بخناق العاملين فيها وإعطائهم التسهيلات اللازمة تتحول إلى شركة أخرى مقطوعة الصلة بالأصل الذي قدم التوصيات بأنها الأجود. ولكن الواقع لا يعكس ذلك تماماً والشهادات الإعلامية التي تحصل عليها الشركات بين فترة وأخرى لا تشفع لها ولا تزيل عنها غبار "السّخرة" الذي يأتي كجزء مكمل لعملياتها التجارية.
وسنضرب بعض الأمثلة التي تفضح تلك الممارسات التي لا نرضى بحدوثها في الدولة. يفاجأ العمال في إحدى شركات الخدمات بأن عليهم ابتداءً من يوم كذا العمل أكثر من الساعات الرسمية لأداء واجبات خارج شروط العقد المبرم، وذلك دون أن يحرك العمل الإضافي من سلم الرواتب المتدنية التي يتقاضونها مع التواصل في أداء المهام الوظيفية طوال اثنتي عشرة ساعة عمل، فيما هم مطالبون قانوناً بثماني ساعات. فالزيادة لابد من تعويضها بما يوازي مشقة الجهد الإضافي، وقد تحولت فترات العمل اليومي لدى بعض الشركات من ثلاث فترات متعاقبة إلى فترتين مملّتين. وهكذا وفر أصحاب العمل أموالا طائلة على حساب راحة العاملين وسحبوا جرعة الإنسانية من الأنظمة الإدارية التي تفصل وفق مقاييس المصلحة المادية دون مراعاة ظروف الإنسان العامل الصحية والاجتماعية.
ومثال آخر له علاقة بقطاع المواصلات وشركات الأجرة التي بدأت تتكاثر وفق مفهوم الخصخصة الذي شاع استخدامه، دون أن تقوم أي جهة بتعريفه كما هو مؤصل في أدبيات الاقتصاد الرأسمالي.
فالسائق يشكو لكل من يجلس بجانبه صاحب العمل، الخصم المباشر له والحكم الفعلي عليه، عندما يسرد شروط العمل التي قبل بها مضطراً وإن كان توقيعه دليلا على الرضا القانوني وليس الإنساني.
فيقول أحدهم عن إلزام صاحب العمل له بدفع مبلغ مقطوع وثابت لا ينقص فلساً واحداً فما زاد عنه فللعامل دون أن يكون له راتب محدود. وفي أيام الكساد يجب عليه الدفع مما جنته يداه في الأيام السالفة وإذا تعرضت مركبته لحادث فعليه تحمل مبالغ طائلة تستقطع من دخله اليومي رغم وجود مظلة التأمين.
وعليه يمكن تفسير معظم حوادث السير الخاصة بسيارات الأجرة بضغوط العمل التي تسبب الشرود الذهني والسرحان وعدم الانتباه، وهو بلا شك من الآثار الجانبية الضارة للاعتماد على مبدأ "السخرة" في إذلال وإرغام العاملين على أداء الواجبات الوظيفية عنوة.