في هذا الكتاب "التفكير فيما وراء الإرهاب" تعبر "سوزان بك مورس"، أستاذة الفلسفة السياسية والنظرية الاجتماعية في جامعة "كورنيل"، عن موقف رافض للإرهاب، وللحرب المعلنة من جانب إدارة "بوش" عليه في الوقت ذاته. فما الذي تود قوله في مؤلفها الجديد هذا؟ وما الذي تعنيه بدعوتها لإعادة النظر في اليسار؟ تجيب المؤلفة عن هذين السؤالين بنظرية سياسية نقدية متكاملة البنيان، تضع مشكلات اللغة وقضايا الترجمة في سياق المصاعب المتضمنة في تبادل الخطاب السياسي، والتواصل بين مختلف أطرافه يميناً ويساراً. وتقوم هذه النظرية على محاولة البحث عن حل لآفة التشرذم التي تواجهها الحركة اليسارية عالمياً، وتعدد هوياته ومشاربه ورؤاه السياسية. وتطرح الكاتبة السؤال نفسه: بأي اللغات نتحدث، طالما أن كل لغات العالم إقصائية بهذا القدر أو ذاك؟
والحل الذي تراه لمعضلة التواصل هذه، هو خلق مناخ عالمي عام، متسامح ومنفتح على الآخرين، تلقى فيه كل الأصوات الاحترام اللائق بها، والآذان الصاغية لها، والعقول القادرة على إدارة الحوار معها. ومن وجهة نظرها فإن مناخاً بهذا الانفتاح، لابد من أن يشمل الفكر الإسلامي غير المتطرف، الذي أبدت الكاتبة اهتماماً ملحوظاً بهو من خلال علمائه ومفكريه الحداثيين المستنيرين، القادرين على ربط ذلك الفكر، وخلق مناخ من التفاعل والتقابل والتقاطع بينه، والحركات الحداثية الأخرى، ممثلة في مختلف أشكال ومستويات الحركة النسوية العالمية، والحركات المعادية للرأسمالية والإمبريالية اللتين تروج لهما أطروحات العولمة، إضافة إلى تيار مدرسة فرانكفورت، وحركة الفن الطليعي العالمي. ورأي المؤلفة أن هذا الهجين السياسي، يلتقي بدرجة ما، مع الانتقادات والمواقف الفكرية التي سجلها الأكاديمي والمفكر الأميركي "نعوم تشومسكي" ضد ظاهرة إرهاب الدولة، ونموذجه المتمثل في كل من الولايات المتحدة الأميركية ودولة إسرائيل على وجه الخصوص.
أما الحدود والمبادئ العامة التي يمكن أن تلتقي فيها كل تلك الحركات والاتجاهات السياسية والفكرية مجتمعة، فيمكن تلخيصها في الاتفاق على الدفاع عن القيم والمبادئ الأساسية، ممثلة في الالتزام بالسلم العالمي، والعدالة الاجتماعية الاقتصادية، والمساواة القانونية، وحقوق المشاركة السياسية، فضلا عن احترام الحريات الشخصية والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف. وبالطبع فإن تحالفاً أو اصطفافاً جديداً للقوى الدولية على هذا النحو، يشترط الاعتراف بالتعددية الثقافية واللغوية، والصراع المشترك ضد نزعات الهيمنة الغربية إجمالا. كما يقف التحالف أيضاً على أرضية الخصومة مع مفهوم وواقع "دولة الأمن القومي" ككيان جغرافي سياسي إقصائي ومنغلق على نفسه.
عودةً إلى موضوع الإرهاب ونقيضه الحرب ضد الإرهاب، فإن الحجة التي تقدمها المؤلفة عنهما، هي أن كلتا الظاهرتين تمثلان نوعاً من الخَبل والجنون السياسي، الذي يتماهى مع بعضه بعضاً، من موقفين ووجهين يبدوان مختلفين في الظاهر، إلا أنهما يكرسان مفهوماً واحداً في نهاية المطاف، هو تأبيد الحواجز اللغوية والثقافية التي تفصل بين الأمم والشعوب. بل إن أحدهما لا يقوم ويكتب له النصر، إلا بإقصاء الآخر ونفيه. وفي هذا السياق، لاحظت المؤلفة أن استراتيجية الحرب على الإرهاب، لا تخلو من تعميمات نظرية فجة، جانبت الموضوعية في النظر إلى الإسلام ومكوناته الفكرية الروحية، وإمكان تلاقي الكثير من تراثه القديم والمعاصر، مع حركات الحداثة العالمية. وذلك هو الموضوع الذي ناقشته في بابها المخصص لتناول علاقة الإسلام بالحداثة. وقالت "إن أية قراءة متمعنة ومحايدة للتراث العريض المنسوب إلى المفكرين الإسلاميين، تستطيع أن تخلص إلى مدى الخطأ الذي يشوب فهم هذه العلاقة في أذهان الكثير من المدافعين والمتبنين لاستراتيجية المواجهة مع كل ما هو إسلامي إجمالا ودون تمييز، باسم الحرب على الإرهاب". ودعت المؤلفة إلى ضرورة إعادة قراءة التراث الإسلامي، سيما نصوصه المعاصرة، في ضوء علاقته بالحداثة والخطاب النقدي الجديد، بما فيه خطاب الحركة النسوية الجديدة، وكذلك الخطاب المعادي للإمبريالية في مرحلة ما بعد الاستعمار، فضلا عن نقد النظريات الجبرية والحتمية.
في تفسيرها لظاهرة الهيمنة الغربية، ترد الكاتبة الهيمنة هذه، لا إلى غياب الفكر الناقد القادر على مواجهتها والتصدي لأطروحاتها النظرية الفكرية، ولا إلى غياب المعارضين من هذا الطراز، بل إلى غياب الوحدة العضوية لعناصر التيار المفكر الناقد في عالمنا الحالي. إلى ذلك، تستطرد الكاتبة وتفصل كثيراً جداً في عرض أطروحتها حول إمكانية خلق "ثقافة عالمية مضادة" على حد تعبيرها. وهي تقدم هذا الاحتمال باعتبار أن فرص تحققه كبيرة ومواتية إلى حد بعيد. وفيما لو تعذر تنظيم حركة يسارية دولية فاعلة ومؤثرة، واعترضت تنفيذ هذه الفكرة أية صعوبات، وفيما لو أصبح المشروع اليساري العالمي موضوعاً للصراع بحد ذاته، فإن من الأحرى أن تكون الديمقراطية هي لحمة وسداة ذلك الصراع.
ع