في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن أحد في أميركا الرسمية والشعبية يعرف على وجه التحديد متى وأين ستأتي الضربة الثانية، أو من سيقوم بها. بدت أميركا في ذلك الوقت مكشوفة تماماً أمام المخاطر والتهديدات، وعاش شعبها وحكومتها عدة شهور على أعصابهما خوفاً من الضربة التالية، أو خوفاً مما هو أخطر من ذلك، وهو قيام تنظيم "القاعدة" الذي يقوده أسامة بن لادن بالتواطؤ مع نظام صدام حسين الإجرامي في العراق، لتوجيه ضربة بأسلحة الدمار الشامل إلى أميركا. وفي الكتاب الذي نقوم بعرضه هنا وعنوانه:(الصلة: كيف أدى تعاون القاعدة مع صدام إلى تعريض أميركا للخطر؟) يرى المؤلف "ستيفن هايس" المراسل الصحفي بمجلة "ويكلي ستاندارد" والذي عمل كمعلق في محطة "سي. إن. إن" وقناة "فوكس نيوز" الإخبارية، أن علاقات صدام حسين مع تنظيم "القاعدة" كانت تشكل بالفعل تهديداً خطيراً للأمن القومي الأميركي، وأن هذا التهديد لم يكن منقطعاً عن سياق الحرب التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة الأميركية وبين قوى الإرهاب العالمي، بل الحقيقة هي أنه كان نتيجة مباشرة من نتائجها. وهذه الحجة- التعاون القائم بين تنظيم القاعدة ونظام صدام- كانت كما هو معروف الذريعة التي استندت إليها إدارة "بوش" في شن الحرب على العراق، وذلك قبل أن يثبت فيما بعد أنها غير صحيحة. على رغم هذا نرى الكاتب يجهد نفسه في محاولة تقديم عدد كبير من الأدلة التي يريد من خلالها إثبات وجود تلك العلاقة، بل و إثبات أنها لم تبدأ قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، وإنما تعود في الحقيقة إلى عقد كامل من الزمان قبل ذلك. وهو في هذا السياق يتهم النظام العراقي بأنه كان ضالعاً في الهجمات التي وقعت عام 1993 في الولايات المتحدة، والتي حاول اثنان من الإرهابيين خلالها تفجير مبنى مركز التجارة العالمي. فأحد الإرهابيين، كما يقول المؤلف، قد حصل على مأوى ودعم مالي من النظام العراقي بعد قيامه بالهجوم ونجاحه في الإفلات من يد العدالة. ويزعم المؤلف أنه تمكن بوسائله الخاصة من الحصول على بيانات موثوق بها من السلطات الأمنية التشيكية حول اجتماع ضم محمد عطا، الإرهابي الذي قاد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبين أحد ضباط الاستخبارات العراقية في مدينة "براغ". كما يتطرق أيضاً إلى الحديث عن المحاولة المزعومة للنظام العراقي للحصول على "يورانيوم" من دولة النيجر من خلال قوله إن مسؤولاً عراقياً كبيراً قام بزيارة إلى النيجر لشراء "اليورانيوم المخصب" ولكن الصفقة لم تتم لسبب غير معروف. وعلى رغم أن الاستخبارات المركزية الأميركية ذاتها، اعترفت فيما بعد بأن تلك المعلومات تعوزها الدقة، إلا أننا نرى الكاتب يصر على أنها صحيحة مستنداً في ذلك على أن بريطانيا التي كانت المصدر الرئيسي لتلك المعلومات لازالت تصر حتى الآن على صحتها وتقول إنها قد حصلت عليها من مصادر موثوقة في روما. ويقول "هايس" إنه قد اعتمد في جمع الأدلة التي قدمها في كتابه على ملخصات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وعلى مذكرات سرية تابعة لأجهزة الاستخبارات الأميركية الأخرى، ومقابلات مع كبار القادة العراقيين العسكريين السابقين، وبعض المطلعين على بواطن الأمور في "واشنطن"، وعلى وثائق يقول إنها من أرشيف أجهزة الاستخبارات العراقية. ويقول إن الأدلة التي استخلصها من كل ذلك، تثبت أن هناك تعاوناً وثيقاً كان قائماً بين تنظيم بن لادن ونظام صدام، وإن هذا التعاون قد وصل غلى حد عقد اتفاق بين النظام العراقي وبين "القاعدة"، يتعهد فيه النظام العراقي بمساعدة التنظيم الإرهابي على تصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي قد يحتاج إليها لشن هجوم داخل الولايات المتحدة الأميركية، يهدف إلى إيقاع ضحايا بعشرات الآلاف. ويضيف المؤلف أن بعض الأدلة الواردة في الكتاب مستقاة أيضا من "المصادر المفتوحة" أي من المقالات والتقارير الصحفية المتاحة، والمستندات والوثائق التي تم الإفراج عنها من قبل الأجهزة الأمنية والقضائية التي قامت بالتحقيق مع المتهمين بشن الهجومين اللذين وقعا على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا. و"هايس" لا ينكر أن بعض تلك الأدلة قد يكون غير صحيح، ولكنه يكابر ويصر على القول إن تعددها واتساق المعلومات التي تحتوي عليها، يصب كله في خانة تأكيد وجود اتصالات وتعاون وثيق بين نظام صدام حسين وتنظيم بن لادن. وعلى رغم محاولة الكاتب إضفاء أهمية على المصادر التي استمد منها الأدلة التي أوردها كتابه، إلا أن ذلك لم يساهم في التخفيف من حدة الشكوك المثارة حول مصداقية وصحة أدلته، خصوصا إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ذاتها لم تتمكن- على رغم إمكانياتها الهائلة- من إثبات وجود مثل ذلك التعاون الذي يتحدث عنه المؤلف، وكل ما تمكنت من إثباته هو وجود اتصالات محدودة بين رجال من المستويات الدنيا في النظام العراقي وبين أفراد من تنظيم "القاعدة"، وهي اتصالات لم تتبلور فيما بعد في صورة تعاون أو تنسيق بينه