تسري حمى التحقيقات في أميركا هذين اليومين، بغية تحديد المسؤولية عن الفشل في عدة جبهات ومجالات. فهناك تحقيق حول المسؤولية عن شن الحرب على العراق، وآخر حول المسؤولية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وثالث تجريه وزارة الدفاع حول إساءة معاملة السجناء في سجن أبو غريب، ورابع تجريه المحاكم حول المسؤولية عن التزوير الذي أجرته شركة إنرون في دفاترها المحاسبية، مما ألحق الضرر بمصالح الآلاف من المستثمرين الأميركيين. في الشق الأول- أي التحقيق حول شن الحرب على العراق- ألقت لجنة الكونجرس باللائمة على وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ومديرها العام جورج تينيت وحمّلتهما مسؤولية مد الإدارة بمعلومات استخباراتية غير دقيقة ومضللة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، وما تمثله من خطر داهم على الأمن والمصالح الأميركية.
وقالت اللجنة إن تلك المعلومات، هي التي أدت إلى شن الحرب. وبالنتيجة فقد استقال جورج تينيت من منصبه، بينما كالَ له أنصار بوش ومؤيدوه، كل اللوم، حرصاً منهم على صرف الأنظار عن بوش، وتفادي تحميله هو الآخر، مسؤولية شن الحرب. ويذكر أن أعضاء اللجنة المذكورة من الجمهوريين، قد أفلحوا في صياغة التقرير على نحو، ضمنوا من خلاله، عدم توجيه لوم أو مسؤولية محددة للرئيس تجاه الحرب.
إلا أن الديمقراطيين من أعضاء اللجنة نفسها، يقولون إن لبوش نصيباً من المسؤولية، لكونه خلق أجواء عامة للعمل، هي التي وضعت وكالة المخابرات المركزية ومديرها تحت ضغط، كان له دوره في أن تحور الوكالة تقريرها، بحيث تقدم المبررات اللازمة لشن حرب، كانت تعلم أن بوش قد عقد العزم على شنها تحت كل الأحوال والمبررات. ومما لا شك فيه أن الحوار واختلاف الرأي حول هذه المسألة سيستمران لبضعة أشهر قادمة، بسبب ارتباط التحقيق حول الحرب، بالمعركة الانتخابية الفاصلة التي ستجرى في شهر نوفمبر من العام الجاري.
وفي جانب المسؤولية الأمنية والاستخباراتية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فقد أثار التقرير الصادر عنها جدلا واسعاً حول الأسباب التي حالت دون تفادي وقوعها. وخلصت اللجنة المسؤولة عن التحقيقات، إلى أن العجز في التنسيق بين الأجهزة الأمنية، ممثلة في وكالة الاستخبارات المركزية سي. آي. إيه، ومكتب التحقيقات الفيدرالي إف. بي. آي، والهيئة الفيدرالية للطيران، وكذلك قوة الطيران الأميركية، هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى تلك الكارثة.
وهنا يقول منتقدو الرئيس بوش إنه أخفق في الأخذ على محمل الجد، بتلك التهديدات التي كان يلوح بها أسامة بن لادن، لا سيما وأن خبراء مختصين في مجال الاستخبارات زودوا بها الرئيس. من ذلك ما جاء في كتاب ريتشارد كلارك الذي قال إنه قدم معلومات استخباراتية مسبقة للإدارة، إلا أنه تم تجاهلها بكل بساطة.
وفيما يتصل بتعذيب وإساءة معاملة سجناء سجن أبو غريب، فقد دشنت وزارة الدفاع تحقيقاً هدف إلى تحديد المسؤولين وتوقيع عقوبات رادعة عليهم. لكن منتقدي الرئيس بوش يقولون هذه المرة، إنهم يتوقعون أن تنتهي التحقيقات إلى إدانة شخصيات رفيعة المستوى في الإدارة الحالية عن تلك الفضيحة. غير أن كبار المسؤولين، يأملون في أن تقتصر تلك الإدانات على الجنود وصغار الضباط في الجيش، علاوة على الوكلاء المدنيين.
وعلى الصعيد الرابع والأخير، فقد بدأت محاكمة السيد كين لي، المدير التنفيذي لشركة إنرون للتو. ووجهت إليه اتهامات تتعلق بتزويره المستندات المالية لشركته، الأمر الذي يخالف القانون التجاري الأميركي. ويدور النزاع القانوني بين الدفاع والاتهام، حول علم أو عدم علم المتهم بما كان يجري من ممارسات غير قانونية في تقييد الدفاتر المالية لشركته. هذا ويأمل المتهم في أن يكون "الجهل بما يجري" قارب النجاة، الذي سيخرج به إلى بر النجاة من سجن محقق.
ختاما وكما يقول المثل فـ"إنه لا أب للفشل، في حين أن للنجاح آباء كثراً". وللأميركيين مثل شعبي آخر يتحدث عن "تمرير الكرة للآخرين". ويستخدم هذا المثل مجازاً، عند تحميل المسؤولية للآخرين. ويذكر تاريخ القيادة الأميركية للرئيس ترومان عبارة شهيرة في مكتبه تقول "تنتهي الكرة هنا" كناية عن تحمله وزر ومسؤولية كل ما يحدث في إدارته.
كما دوَّن التاريخ الأميركي المعاصر، ذلك التأييد الشعبي الواسع، الذي حظي به الرئيس جون كنيدي، كرد فعل مباشر على تحمله المسؤولية إزاء الهزيمة التي منيت بها خطة إطاحته بالزعيم الكوبي كاسترو في معركة خليج الخنازير.
في ظل الإدارة الأميركية الحالية، هل سنشهد روحاً كهذه في الأمانة والمسؤولية القيادية، أم أن الكرة ستمر من عند الكبار إلى صغار المسؤولين؟