صدر قرار محكمة العدل الدولية الذي اعتبر جدار الفصل الإسرائيلي غير شرعي وأن بناءه خرق صارخ للقانون الدولي، ودعا القرار إسرائيل إلى التوقف الفوري عن بناء الجدار وطالبها بهدم ما شيد منه حتى الآن، كما طالبها بدفع تعويضات لجميع الفلسطينيين المتضررين جراء بنائه. كما دعا القرار الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ الحكم.
أكثر شيء يعنيه قرار محكمة العدل الدولية بشأن هذا الجدار هو أنه أكد وللكثيرين أن هناك من بين البشر أناساً شرفاء لم يبيعوا أنفسهم لأحد ولم تستعبدهم الدولارات وهم أصحاب ضمير حي… وهذا "الاكتشاف" المهم يؤكد أن أميركا ليست كل شيء، وإن كانت هي أهم شيء في أية معادلة سياسية أو عسكرية في هذا الوقت. إلا أن هناك أشياء أخرى مفيدة وإن كانت صغيرة ولكنها مؤثرة … كما أن القرار أكد أن المحافل الدولية لها دور ولكن العرب لا يستغلونها بالشكل الكافي وإن كانت قراراتها استشارية إلا أنها في النهاية تكشف الحقيقة للعالم وللمتشككين فيما يرونه. أما وضع الحقيقة على أرض الواقع فسيكون له وقت آخر ولكنه بالتأكيد لن يتأخر كثيراً عن وقت اكتشاف الحقيقة والتأكيد على الحق.
كان واضحاً مدى الشعور بالانتصار الذي كان يشعر به الفلسطينيون من هذا القرار وفي المقابل عدم اكتراث البعض بهذا القرار والتقليل من شأنه. والحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها هي أن كسب قضايا بهذا الحجم ليس بالأمر السهل، لذا يجب أن نعرف قيمة هذا الإنجاز المهم الذي كان وراءه رجال يحملون إرادة قوية وإيماناً راسخاً بعدالة قضيتهم. ولا شك أن هؤلاء هم أسعد الناس هذه الأيام وهم يرون أن ما سعوا إليه قد تحقق. وما قام به هؤلاء تجاه قضية الجدار هو ما يفترض أن يتم تجاه قضية فلسطين بشكل عام، وهذا ما لا نستطيع أن ندعيه. فالعرب لا يقومون بما يفترض أن يقوموا به تجاه قضيتهم. لذا فإنه لا يبدو لي أن أحداً ضخم من قرار محكمة العدل الدولية، وهو فرصة حقيقية لدعم النضال الفلسطيني ويطرح التساؤل من جديد وهو: لماذا لا يطرق العرب الأبواب الدولية من أجل هذه القضية العادلة؟!
فقرار محكمة العدل صدر بعد أن طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة لاهاي في 8 ديسمبر الماضي إعطاء رأيها الاستشاري في شرعية بناء الجدار. وعلى الرغم من معارضة إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية، وعدم اعترافها بهذه المحكمة لبحث مثل تلك القضية التي وصفتها بأنها قضية سياسية تحسم على طاولة المفاوضات لا ساحات المحاكم. إلا أن المحكمة عُقدت والقرار صدر بالعدل.
ومن دلالات أهمية قرار محكمة العدل أنه أعاد تأكيد الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس بوصفها أراضي محتلة تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة، وليست أراضي متنازعاً عليها، وبالتالي، لا يجوز تحت أية ذريعة تعريضها لاعتداء من خلال إجراءات تخل بصفتها هذه، أو تلحق الضرر بمعالمها أو بمواطنيها.
مشكلة العالم أنه لا يعرف حقيقة هذا الجدار الذي تدعي إسرائيل أنه من أجل الدفاع عن النفس وهذا ما أسقطته المحكمة الدولية وأسقطت جميع الذرائع الإسرائيلية التي تخفي الأهداف الحقيقية لإقامته، وهي تتمثل في سرقة الأرض، واستيطانها، وزرع المستوطنين فيها، والحيلولة أخيراً دون قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس العربية، وفرض التهجير على أهلها الشرعيين. فالجدار يستولي على أكثر من 58% من أراضي الضفة الغربية ويسيطر على كافة منابع المياه ويرمي في النهاية إلى السيطرة على أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية فيها. وأبسط تهمة يمكن أن توجه لهذا الجدار هي أنه يقتطع أجزاء مهمة من أراضي الفلسطينيين، وهذا يخالف القانون الدولي الذي يحرم تغيير المناطق الواقعة تحت الاحتلال بما يخل بأوضاعها أو ملكيتها فماذا تريد إسرائيل؟!.
بلا شك أن قرار محكمة العدل الدولية – وإن كان استشارياً- بعدم شرعية جدار الفصل العنصري الذي يبنيه رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون على الأرض الفلسطينية يعتبر مفترق طرق في النضال الفلسطيني ويعطي أملا جديداً للشعب الفلسطيني بأن الاحتلال لا يمكن أن يصبح في يوم من الأيام هو الدائم. وفي ظل هذا القرار فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أخلاقية في وضع آليات تنفيذية لهذا القرار بحيث لا يتم التعامل معه على أنه قرار استشاري، بل يجب أن يكون ملزماً على غرار القرارات الأخرى التي صدرت عن المحكمة الدولية في ما يتعلق بجنوب أفريقيا وناميبيا، حيث استطاعت الإرادة الدولية أن تجعلها قابلة للتطبيق وهو ما أدى إلى استقلال ناميبيا. والآن بالإمكان استعارة النموذج الناميبي وتطبيقه على القضية الفلسطينية.
أما ما يحتاج العرب إلى أن يفعلوه بعد هذا القرار فهو أن يتخلصوا أولا من العقلية الانهزامية التي يعاني منها بعض الرسميين العرب وبعد ذلك أن يأخذوا قرار محكمة العدل الدولية الشجاع الذي صدر عن القضاة الأربعة عشر الذين يستحقون الاحترام مؤَيَّداً بقرار المفوضية الأوروبية ويحولوه إلى قرار لمجلس الأمن ويبذلوا