اختلطت الأوراق ولم يعد بمقدور الإنسان فهم ما يحدث حوله. فجأة يقرر قائد عربي أن يمسح دولة عربية شقيقة، معتمدا على الشعارات التي يرفعها، ويقرر أن يزيلها من الخريطة العالمية.إن دولا عربية شقيقة فضلت أن تقف مع المعتدي وتؤيده. وفجأة تتحول الدول العلمانية إلى حليف، وصديق للأحزاب الإسلامية، بمجرد أنها وضعت "الله أكبر" على علمها وبقدرة قادر يتحول القائد العلماني إلى مناضل إسلامي!
حلفاء الولايات المتحدة يقعون في حيص بيص وليس بمقدورهم صد المعتدي.تقوم الولايات المتحدة المسيحية بتشكيل تحالف دولي لتحرير دولة إسلامية من قبضة دولة إسلامية أخرى.
وفي صباح يوم هادئ تفاجأ الولايات المتحدة بهجمات طائرات مدنية على أراضيها، وتكتشف أن من قام بتلك الهجمات أصدقاء الأمس الذين تحولوا إلى أعداء بعد انتهاء الحرب الباردة، ويصبح الاتحاد السوفييتي القديم صديقا بعد أن كان عدواً.
ويصر صدام حسين على متابعة المواجهة بعد الهزيمة على أرض الكويت، ويتكرر خطأ فهم التاريخ. بل يذهب بعيدا في أحلامه وتتحول شعارات تأجيج الجماهير إلى أسلحة فتاكة قادرة على مواجهة "عالم الدوتكوم " الذي اخترق الفضاء.
دولة "طالبان" في أفغانستان كشرت عن أنيابها في وجه صديق الأمس، واختارت أن تضرب قلب "عالم الدوتكوم" في 11 من سبتمبر، فما كان من "عالم الدوتكوم" إلا مبارزة "طالبان" وإزاحتها من الحكم. وبدأت تداعيات الصراع بين"الدوتكوم" "والدوت كرامات" وانتهت المبارزة بتحرير العراق من نظام قمعي يمثل قوى الشر والإرهاب الإقليمي.
وما كان أمام "عالم الدوتكوم" إلا اللجوء إلى الصديق الكويتي يستخدم أراضيه، والذي رد الجميل بالجميل. يندحر صدام حسين ويفاجأ "الدوتكوم" بتلاقي مصالح غريبة ومتنافرة بين حلفاء وأعداء على أرض الفرات لتبدأ مواجهة جديدة.
لقد اختلطت الأوراق ولم يعد هناك أصدقاء وأعداء دائمون، فالسياسة لا تعرف عشق الأحبة، وملاحم عنترة، وقصص قيس وليلى.إن لعبة المصالح لا يلعبها إلا الأذكياء ، فليست هناك في السياسة صداقات دائمة بل مصالح دائمة.
لم تكن هذه الحكاية هي التجربة الأولى من نوعها، فقد سبق تطبيقها في أوروبا الشرقية مع سقوط الاتحاد السوفييتي. وظهرت جلية في حرب البلقان التي تحولت الحالة فيها إلى ما يسمى بالبلقنة، وهو مفهوم استراتيجي وسياسي قابل للتطبيق في عالم الصحراء، حيث الرمال الناعمة إذا ما حركت ستتهاوى بعدها الخرسانة المسلحة الهشة التي شيدت عليها.
قد تكون الصورة قد تعقدت ولم يعد بمقدورنا فهم ماذا يحدث حولنا،فنحن لا نملك عقول "عالم الدوتكوم"، بل نتباهى بعالم الأحلام الذي يتلاشى عند الاستيقاظ، ونركن إلى طمأنينة الأوهام التي لن تُسمن ولن تُغني من جوع.إن من الحصافة الاعتراف بأن الصراع بين العالمين، "الدوتكوم الديموقراطي" و"الكرامات الديكتاتوري"، سيتمخض عن انتصار عالم "الدوتكوم" على عالم "الكرامات".
إن منطق التاريخ يحكم العالم الجديد، وسيعي الواهمون أن قيم الديموقراطية هي نتاج تراكم تجارب إنسانية وليست نتاج ديانة ما.وعلى حد قول "برويز مشرف": ربما يلجأ "عالم الدوتكوم" إلى إقامة ساتر حديدي حول عالم "الدوت كرامات" ليعبث في عالمه كما يريد إلا أنه لن يتمكن من وقف مسيرة الحضارة الإنسانية، وتتحول المعركة إلى معركة بين الأذكياء والأغبياء، يكسب الأذكياء فيها،فهذا هو منطق التاريخ.
أمام عالمنا الإسلامي فرصة تاريخية عليه أن يبادر باقتناصها، وإلا فإنه سيقع فريسة البلقنة الجديدة في الصحراء التي ستواجهنا حيث سيقع عالمنا تحت الحصار الجديد الذي سيفرضه العالم المتقدم، وستصبح مجتمعاتنا مرشحة للتآكل والانفجار.