تقوم الآن مركبة هائلة يبلغ وزنها 206 أطنان، وتكلفت عدة بلايين من الدولارات بالدوران حول كوكب الأرض كل تسعين دقيقة. وهذه المركبة التي تمثل في الحقيقة نصبا تذكاريا للعبقرية الإنسانية، هي محطة الفضاء الدولية التي كان العلماء منذ عقود قليلة يتصورون أنها ستكون على هيئة منصة أبحاث متقدمة قابلة للتحويل في أي وقت لمنصة إطلاق سفن فضائية للكواكب البعيدة. ولكن الصورة التي نراها للمحطة الآن مختلفة كل الاختلاف عن تلك التصورات الأولية للعلماء.فهذه المحطة- نصف المكتملة- أقرب في الحقيقة لأن تكون مركز استطلاع فضائيا متقدما، لا يتسع سوى لشخصين فقط، يدور في مدار منخفض حول كوكب الأرض.وكان العمل في إنشاء المحطة قد توقف بسبب القرار الذي اتخذته وكالة "ناسا" بإيقاف رحلات مكوكات الفضاء، عقب الكارثة التي وقعت للمكوك كولومبيا وما تبعها من انتقادات شديدة للوكالة بعدم مراعاتها لشروط السلامة اللازمة في رحلاتها.وقد ترتب على إيقاف العمل بتلك المحطة ارتفاع التكلفة التقديرية لاستكمال العمل فيها من ثمانية بلايين دولار في البداية إلى ثلاثة وخمسين بليون دولار في الوقت الراهن.ونتيجة لعدم القدرة على استكمال المحطة بسبب إيقاف رحلات المكوكات، وبسبب التغيير الذي طرأ على أولويات إدارة الطيران والفضاء الوطنية "ناسا" في الوقت الراهن، وتحولها إلى التركيز على الرحلات المأهولة ( الرحلات التي يقوم بها بشر) إلى كوكب المريخ، فإن المحطة التي كانت في يوم من الأيام محورا أساسيا لعمليات استكشاف الفضاء- قد تحولت الآن إلى شبه مشروع فضائي يتيم يكاد الجميع يوشكون على التخلي عنه.
ولكن "ناسا"، وبغرض إنقاذ الأموال التي أنفقتها على المحطة، قامت بتصميم مهمة جديدة للمحطة وهي: اختبار آثار الطيران لمدة طويلة في الفضاء على الرواد، وذلك للاستفادة من النتائج التي سيتم التوصل إليها في هذا الشأن في القيام بالاستعدادات اللازمة لإرسال رحلة بشرية إلى كوكب المريخ في شهر يناير المقبل. ويتشكك الكثير من العلماء في جدوى وفائدة القيام برحلات بشرية إلى المريخ بسبب التكلفة الباهظة لتلك الرحلات، والتي يقدر بعض هؤلاء العلماء بأنها يمكن أن تصل إلى مئات البلايين من الدولارات، وبسبب الصعوبات الفنية الرهيبة التي يمكن مواجهتها خلال تلك الرحلات.
وبعد مرور عدة سنوات، وإنفاق عدة بلايين من الدولارات، فإننا نجد الآن أن المؤمنين بجدوى المحطة قد بدأوا هم كذلك في التشكك في ما يمكن أن يتحقق إذا ما تم استكمال العمل بها، خصوصا وأنها سوف تلعب- في أفضل الفروض- دورا ثانويا في برنامج استكشاف الفضاء. ويرى بعض علماء "ناسا" أن الوكالة قد أنفقت أموالا ضخمة دون أن تحقق نتائج ذات مغزى، وأن الأفضل لها أن تقلل من تلك النفقات، وأن تتخلى عن المشروعات التي لا طائل من ورائها ومنها مشروع المحطة الفضائية الدولية.
ولكن المسؤولين عن الوكالة يقولون: إنه لا توجد لديهم نية للقيام بذلك، وأن الوكالة ستمضي قدما في تنفيذ برنامج المحطة.
ويقول هؤلاء المسؤولون أيضا: إن عدد الأبحاث الفضائية ونوعيتها سوف يتحسنان بدرجة كبيرة عندما يعود أسطول مكوكات الفضاء إلى الخدمة مجددا العام المقبل، حيث سيكون ممكنا عندها إضافة المزيد من الوحدات إلى المحطة، وزيادة عدد رواد الفضاء العاملين بها. ويذكر أنه منذ أن تم وضع النموذج الأولي لتلك المركبة في مدار حول الأرض بواسطة صاروخ روسي عام 1998، فإن تلك المحطة قد ازدادت حجما باطراد حتى تحولت إلى نوع من السفن الفضائية الضخمة التي يبلغ عرضها عند أوسع نقطة 240 قدما.
وهناك صف من الألواح الشمسية يقوم بتزويد المحطة بالطاقة.. كما يوجد تحتها خط من الوحدات الأسطوانية الشكل التي تحمل المختبرات وأماكن المعيشة. وقد تم بناء الجزء الأكبر من مكونات المحطة من قبل شركة بوينج الأميركية على الرغم من أن هناك مساهمات كبيرة من دول أخرى منها قيام كندا بتقديم الذراع الروبوتية، وقيام روسيا بتقديم مركز المراقبة والتحكم ومركبة للنجاة، وقيام إيطاليا بتقديم حاوية شحن للمحطة.وحتى الآن، تم من خلال 20 رحلة( منها 16 رحلة بواسطة مكوك فضائي) نقل أجزاء المحطة إلى مدار يبعد 250 ميلا عن سطح الأرض. ويقدر المسؤولين في "ناسا" أن الأمر سوف يحتاج إلى القيام بعشرين رحلة إضافية لاستكمال نقل وحدات المحطة بالكامل، واستكمال المشروع الذي سيشمل في صورته النهائية تشكيلة متنوعة من المختبرات والقطع الإضافية، ويتوقع أن ينتهي العمل فيه عام 2010.
وفي النهاية، فإن الهيكل الرئيسي للمحطة، والأسلاك الممدودة فيه، والصواميل والسدادات سوف يلحق بها الصدأ بحيث لن يكون هناك مفر عندئذ من مغادرتها وهو الأمر المتوقع حدوثه خلال الفترة ما بين 2020و 2030. وبالإضافة إلى مبلغ الثلاثة وخمسين بليون دولار المخصص لبناء المحطة، فإن مكتب المحاسبة العام بالولايات المتحدة الأميركية يقدر أن الأمر سيحتاج إلى اثنين وأربعين مليونا أخرى لتشغيل المركبة على مدار 10 سنوات. ومن المتوقع أن تس