ترتبط المثلثات إلى حد ما في بعض المصطلحات شائعة الاستخدام بالمشكلات والأخطار والمصائب، مثل مثلث برمودا في المحيط الأطلسي والذي تختفي فيه السفن والطائرات دون سبب واضح، والمثلث السني في العراق والذي تتكثف فيه أعمال المقاومة العراقية لتقض مضاجع رجال البنتاجون. وعلى المنوال نفسه يمكننا هنا أن نطلق مصطلحاً جديداً هو "المثلث الوبائي"، لوصف العلاقة الثلاثية التاريخية بين الإنسان والحيوان والأمراض. فمنذ بداية التاريخ، ظل الجنس البشري يعاني من الأمراض التي تنتقل إليه عبر الحيوانات، وهي المعاناة التي تفاقمت مع استبدال إنسان الكهف لحياة الصيد والجمع بالحياة الزراعية، التي تطلبت تدجين الكثير من الحيوانات كالماشية والدواجن.
ويمكن أن نقسم الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان من الحيوانات إلى قسمين: الأول تصيب فيه الميكروبات والجراثيم والطفيليات الحيوانات، ولكن لا يمكن للميكروب أن يستكمل دورة حياته دون العيش داخل جسم الإنسان أيضا، خلال فترة معينة من فترات نموه وتطوره. من أعضاء تلك المجموعة نذكر مرض الملاريا الذي يستكمل الطفيلي المسبب له دورة حياته بين الإنسان والبعوض، ومرض البلهارسيا الذي تستكمل الديدان المسبب له دورة حياتها بين الإنسان والقواقع النهرية، ومرض عمى النهر ومرض الفيل وغيرها من الأمراض التي يوفر الإنسان والحيوان معاً، المأوى والغذاء للجراثيم والطفيليات المسببة لها خلال فترة معينة من فترات حياتها. ولذا كما ذكرنا، تتميز هذه المجموعة باعتمادها على الإنسان في مرحلة ما من حياتها، ولا يمكنها البقاء والانتشار في الأماكن التي ينعدم فيها وجود البشر.
أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة الأمراض التي تصيب في الأصل الحيوانات، وأحياناً ما تنتقل أيضا إلى الإنسان. وتختلف هذه المجموعة والمعروفة طبياً بمجموعة الأمراض الحيوانية- الإنسانية (Zoonosis) عن المجموعة الأولى، في كونها لا تحتاج إلى الإنسان، بل غالباً ما تكتفي بالحيوان كي تعيش وتزدهر. بعض أفراد هذه المجموعة هي أمراض معروفة وشهيرة، مثل الجمرة الخبيثة والطاعون أو "الموت الأسود" والسُّعار أو مرض الكلب ومرض "التيفوس"، بالإضافة إلى حمى "الإيبولا" وحمى "اللاسا" ومرض "السالمونيلا". ولن يتسع المقام هنا لذكر جميع الأمراض الحيوانية الأصل التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان لتسبب له الموت والوباء، ولكن يجب أن نتوقف هنا عند النظرية الأساسية التي تفسر كيفية انتقال هذه الأمراض - منذ آلاف السنين- من أجناس الحيوانات المختلفة إلى جنس الإنسان.
هذه النظرية تدفع بأن الإنسان لم يكن إلا ضحية عرضية (قفزت) إليها الميكروبات والجراثيم التي تسبب تلك الأمراض بمحض الصدفة البحتة، بسبب وجود الإنسان على مقربة من الحيوانات المصابة. أي أن تلك الميكروبات والجراثيم لم تكن تقصد الانتقال إلى الجنس البشري، ولكن عندما حملها الهواء أو الماء أو الرذاذ إلى هذا المخلوق الجديد عليها، وجدت فيه عائلا ممتازا، أتاح جسده لها النمو والتطور والتكاثر. وهو ما يعني أن تلك الجراثيم تفضل في الأساس أن تصيب الحيوان، ولكن إن أعترض طريقها إنسان فلا مانع لديها من استغلاله أيضا. ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن الكثير من الأمراض الشائعة حالياً بين أفراد الجنس البشري، مثل الحصبة و"الأنفلونزا" والبرد و"الدفتيريا" والسل الرئوي، هي جميعها أمراض حيوانية في الأساس.
وتحتل هذه النظرية أهمية كبيرة عند محاولة تفسير ظهور بعض الأمراض أو بالأحرى الأوبئة الحديثة التي لم تكن معروفة من قبل للجنس البشري، وبالتحديد أوبئة الإيدز و"السارس" و"أنفلونزا الطيور". ففيروس "الإيدز" مثلا لم يكن يصيب أفراد الجنس البشري قبل بضعة عقود مضت، ولكن منذ اكتشافه عام 1981 نجح هذا الفيروس في قتل أكثر من 22 مليون شخص حول العالم، وتبلغ حالياً الوفيات السنوية من جراء الإصابة به قرابة ثلاثة ملايين شخص سنويا وفق إحصاءات الأمم المتحدة 2003. ورغم أن هناك العديد من التساؤلات والاستفسارات التي تحيط بهذا المرض، إلا أن السؤال الأساسي الذي لا زال يؤرِّق العلماء والأطباء خلال العقدين الماضيين هو: من أين أتى هذا المرض؟ هذا السؤال ربما تكمن إجابته في نظرية انتقال الأمراض من الحيوانات إلى الإنسان. حيث يؤمن البعض بأن فيروس "الإيدز" موجود أساساً في بعض أنواع القردة الأفريقية، ومن خلال تناول لحوم تلك القردة أو الممارسات الجنسية الشاذة، قفز الفيروس من جنس القردة إلى جنس البشر. الوباء الثاني والأحدث، والذي تأكد انتقاله من الحيوان إلى الإنسان، هو وباء "السارس" أو الالتهاب التنفسي الحاد والذي ظهر في جنوب شرق آسيا لينتقل بعدها إلى العديد من مناطق العالم. ففي ظروف غامضة حتى الآن، ولد في جنوب الصين فيروس جديد تسبب في مرض مُعدٍ يصيب الرئتين والمجاري التنفسية ولم يعرفه الأطباء أو جنس البشر من قبل. وسرعان ما أكدت تحقيقات وبحوث السلطات المحلية والدولية كمنظمة الصحة العالمية، أن فيروس "السارس" هو في الأصل فيروس حيواني و