تدل الأحداث المأساوية في السودان على أن النموذج الإسلامي للحكم في السودان الذي كان سائداً في ظل حكومة الترابي قد فشل فشلاً ذريعاً في توحيد السودان وتقدمه في كل المجالات التنموية. وتأتي أحداث دارفور في غرب السودان لتؤكد هذا الفشل وتفرز ما كان يردد بأن النموذج الديني للحكم سيكون فاشلاً، وهذا ما تحقق على أرض الواقع بشكل مأساوي سوف تكون له انعكاسات على السودان والأمة العربية ككل. فالأخبار الواردة من السودان تدل على أن هنالك احتمال تدخل أجنبي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة البشر الذين يتعرضون لانتهاكات متواصلة لحقوقهم الإنسانية فضلاً عما يتعرضون له من اغتصاب وتعذيب وتشريد وتصفية عرقية ودينية تقوم بها الميليشيات الحكومية العربية المسلمة ضد إخوتهم السودانيين الأفارقة. الأحداث المأساوية وتعمد حكومة السودان تجاهلها طوال هذه السنوات دفعا بالعالم الغربي خاصة الولايات المتحدة للاهتمام بهذه المشكلة من خلال تحذير السودان من مغبة استمرارية الوضع المأساوي. وقد وافق الاتحاد الأوروبي على التزام السودان الانضمام إلى اتفاقيتي عدم التمييز ومنع التعذيب وإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان بالإضافة إلى الإجراءات الأميركية لحماية المدنيين وتعهد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بتوفير الملجأ الآمن لأهالي دارفور مما دفع منظمة الاتحاد الإفريقي المجتمعة في أديس أبابا إلى التحرك لاتخاذ قرارات بتشكيل قوة إفريقية لحماية المدنيين باعتبار أن قضية دارفور شأن إفريقي.
إن هذه المأساة التي تتكرر في الجنوب والشرق (النوبة) تدل دلالة قاطعة على أن الحكومة السودانية لا تزال مستمرة في إثارة المشاكل وانتهاكات حقوق الإنسان. فهي لا تزال ترفض اتخاذ خطوات جدية لنزع أسلحة الميليشيات العربية التابعة لها وكأنها تريد ضمان استمرار سيطرة هذه الميليشيات والعنف في تلك المنطقة.
ماذا تعني هذه الأحداث بالنسبة للوضع العربي؟ إنها تعني ببساطة أن الأمة العربية شعوباً وحكومات غير معنية بانتهاكات الحقوق في دولة عضو في جامعة الدول العربية وكذلك تعني عجز الجامعة العربية ذاتها عن متابعة الأحداث المأساوية في السودان أو تخصيص مؤتمر لبحث هذه المشاكل في حين أن أمين عام هذه الجامعة يحاول إقناع القذافي المتوجه أفريقياً بالبقاء في الجامعة. كذلك الأمر بالنسبة للدول العربية التي صبت جل اهتمامها على العراق وتجاهلت ما يحدث في السودان - أحداث السودان تدل على فشل الدعوات التي تنادي بعدم تدخل الأجانب في الشأن العربي- حيث تبيّن للمجتمع الدولي أننا أمة لا تهتم بحقوق الشعوب خصوصاً الأقليات العرقية والدينية.
ألم يحن الوقت للمثقفين والأكاديميين والإعلام ومراكز البحوث العربية للالتفات إلى هذا الموضوع الشائك والمهم بوضع دراسات جادة توفر المعلومات اللازمة للوصول إلى حلول ناجحة لهذه المشاكل قبل أن يتدخل الآخرون في شؤوننا الداخلية وبعدها نشتكي ونتذمر من التدخلات.
إن الحالة السودانية مرشحة للتكرار في الكثير من أجزاء العالم العربي. ولعل ما حدث في المغرب من قيام النظام السياسي باحتواء الأقلية الأمازيغية بفتح المجال لها على مستوى اللغة والثقافة والاعتراف بالآخر ليدل على أن الحلول ممكنة وقابلة للتحقيق. ومن المهم في هذا الصدد أن نشير إلى الحالة الكردية التي قد تتفاقم إلى ما لا تحمد عقباه في ما لو لم يتم التفاهم حول الفيدرالية في العراق.