الجدار هو الحائط وجمعه جدر، وفي التنزيل العزيز(أو من وراء جُدُر). والجدر هو أيضاً الحائط وجمعه جدران والأصل هو الجدار. ويقال "جدر الخائف" أي تستر بالجدار. أما الجدير فهو المكان الذي يبنى حوله الجدار. قال سيبويه عن الجدار: هو مما استغنوا فيه ببناء أكثر العدد عن بناء أقله. وقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: إذا اشتريت اللحم يضحك جدر البيت، وهو جمع جدار وإنما يريد أن أهل الدار يفرحون. الجدر أصل الجدار وفي الحديث الشريف: (حتى يبلغ الماء جدره) أي أصله. ومرة أخرى الجدار هو الحائط، ولكن الحائط تستخدم باعتبار الإحاطة بالمكان والجدار يقال باعتبار الارتفاع. والجدار عند عامة العرب هو ما حول البيت من الأرض. أما الجدير فهو مكان بُني حواليه جدار.
. . . . ولنترك سيبويه ورفاقه، وأساطين الصرف والنحو ونلتفت إلى "الجدار" العنصري الإسرائيلي الذي بُني منه حتى الآن 150 كيلومترا من الحقد الأعمى وضجت به قاعات المحكمة الدولية في لاهاي واتخذ بشأنه قرار عدم شرعيته، وضرورة إزالته، الذي واجهته إسرائيل بقرار عدم شرعية قرار لاهاي.
فأي القرارين سيكون نافذاً؟ وهل قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي التابعة لمنظومة الأمم المتحدة ستكون مشابهة للقرارات 242 و338 (الصادرة عن مجلس الأمن) و194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
وإذا كان محمد البرادعي طلب رضى إسرائيل وكاد يعتذر لتجاسره على الحديث - مجرد الحديث - عن الأسلحة النووية الإسرائيلية مع المهاب (نكاية بصدام حسين) أرييل شارون، بعد أن جلس العالم كله ذات ليلة يرتجف خوفا وهو ينصت إلى تقرير البرادعي - بليكس حول أسلحة الدمار الشامل العراقية التي ثبت عدم وجودها، والتي شنت حرب فتحت أبواب جهنم على العالم العربي وغيره بحجة امتلاك العراق لها.
إذا كان هذا هو حال البرادعي وغيره من المسنودين على الجدار الأميركي الظالم، حائط مبكى إسرائيل المغتصبة-البتول، فمن هو طرزان القرن الحادي والعشرين الذي سينفذ قرار الإزالة؟
أن يتخذ العالم أجمع باستثناء أميركا قراراً بلا شرعية الجدار، فهذا يستدعي فرحاً عظيماً، ويعني نصراً معنوياً ليس للفلسطينيين فحسب وإنما لكل مطالِب بأرض السلام وجدُر الحرية. ولكن مع الأسف، فإن الولايات المتحدة على حق، حين تفترض أن قضية الجدار لا تحل بقرار "لاهاي". ودروس الأمر الواقع علمتنا أن حل القضايا العالقة مع المفاوض الإسرائيلي يستلزم سنوات من التمحيص والتفحص والجدل الأجوف والضمانات والمصلحة العليا وغيره الكثير. علينا أن نعي نحن أهل الأرض التي بُني عليها الجدار، وأهل الأرض التي يحيط بها، أن قرار لاهاي يعني مجرد قرار، وأن البهجة التي عمَّت قبل أيام الوجوه يلزمها الكثير لتصل إلى القلوب، وأن قرار لاهاي لا يعني أن الجدار أزيل.
هل تذكرون يوم سقط جدار برلين؟ لاحظوا أن أحداً لم يستخدم كلمة أزيل بل تمسك العالم بأسره بكلمة سقوط، كما ساهم العالم بأسره في هذا السقوط. يومها وصلت إلى برلين آلاف مؤلفة من كل أنحاء العالم، كل يحمل آلة حادة ويدق إسفينا في الجدار- النعش، ليقيم الحياة الرقراقة في روافد ألمانيا وأوروبا التي سدتها سموم الجدار.
نحن بحاجة إلى طرزان، يأتينا من فطرة وبراءة وطُهر، يجمع حوله محبي الطيور والحضارة والتراب الأصيل، ومريدي الزيتون والعسل والعنب، والأمهات والآباء والصبايا والشباب والأطفال الحالمين بالأمن والأمان وبأغلى مجوهرات العالم في القرن الحادي والعشرين، الثقة بالآخر.
أنا وأنت والآخر والآخرون واحد. من صلب واحد وجدر واحد، ويوم بَنت إسرائيل ذلك الجدار بنته خوفا منك، وخوفا من نفسها. هل تدري أم لا تدري؟ ليس هذا هو المهم، المهم أن نزيل الخوف. الخوف هو الجدار الحقيقي أكان في أنفسنا وضد إصلاحنا ومصالحنا أو حول فلسطين وإسرائيل.
هل اقتنعتم الآن أن طرزان، روح الحرية وحاميها الطبيعي ضرورة، بعد لاهاي!