لقد اختار المرشح الرئاسي الديمقراطي جون كيري، زميله الديمقراطي جون إدواردز لتولي منصب نائب الرئيس في الحملة الانتخابية الجارية لهذا العام. ومما لا شك فيه أن ترشيح جون إدواردز سيعزز عزم الديمقراطيين على جعل السياسات الخارجية قضية رئيسية بين قضايا الحملة الانتخابية. وفيما يتعلق بالسياسات الخاصة بالشرق الأوسط، فإن كلا المرشحين الديمقراطيين، سيوسعان من نطاق اهتمامهما الدبلوماسي بالمنطقة، ويعربان عن اتجاه جديد في السياسات الأميركية حيالها. بيد أنهما على الأرجح سيظلان على قدر كبير من الاتفاق مع منحى الرئيس الحالي جورج بوش فيما يتصل بالقضايا الرئيسية في المنطقة، دون أن يعني ذلك أنهما سيتبنيان أسلوبه وطريقته كذلك.
يذكر أن إدواردز الذي خاض حملة ترشيحات رئاسية قوية في مطلع العام الماضي 2003 وحتى لحظة هزيمته من قبل منافسه الديمقراطي جون كيري في العام الحالي 2004، قد عرف بتصريحاته المستمرة والثابتة حول السياسات الخارجية لبلاده، بما فيها تلك المتصلة بالشرق الأوسط. كما يعرف عنه تأييده الذي لا يتزعزع لإسرائيل، وانتقاداته لما يسميه عمليات الإرهاب الانتحارية التي تنفذ ضد الإسرائيليين. لكن وعلى رغم ذلك، فقد عرف عنه أنه من أشد وأشرس منتقدي الرئيس بوش على ضعف تدخله في عملية السلام الشرق أوسطية. وبالمقابل فهو- شأنه في ذلك شأن زميله جون كيري- يبدي عزماً أكيداً على المزيد من التدخل الأميركي، وبذل كافة الجهود الدبلوماسية الكفيلة بوضع حد للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك، فهو يعرف بتأييده للترحيب والتعاون مع العناصر الفلسطينية المعتدلة، والقول إنه لا وقت الآن لياسر عرفات وغيره من ممثلي التيار الراديكالي المتطرف الفلسطيني. ولا شك في أنه سيدعم تصريحات جون كيري الأخيرة، التي رحب خلالها بخطوة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، والاستمرار في بناء الجدار الأمني الإسرائيلي العازل، وهي الخطة المعلنة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون.
أما فيما يتصل بالعراق، فقد أيد إدواردز قرار شن الحرب على العراق، إلا أن موقفه يتماثل تماما مع موقف زميله كيري، الناقد والحامل على سوء إدارة مرحلة ما بعد الحرب. وكلاهما يدعوان إلى المزيد من التحالف الدولي في إعادة بناء العراق، كما يشاطران بعضهما بعضاً قناعة مشتركة، مفادها أن إدارة بوش قد عزلت واشنطن- دون مبرر- عن تحالفات وصداقات مهمة لها عبر المحيط الأطلسي وغيره. ولدى الديمقراطيين عموماً، شعور بأن العالم سيبدي سرورا فيما لو أفلحت حملة كيري- إدواردز في الوصول إلى البيت الأبيض. ومرد هذا السرور هو أنه سيكون ممكناً بناء تحالف دولي أوسع وأكثر تعاوناً، لإعادة بناء كل من أفغانستان والعراق. بعبارة أخرى، فبدلا من الهروب من منطقة الشرق الأوسط - وهو ما يفعله الجمهوريون وإدارة بوش الحالية في تقدير الديمقراطيين- فإنه سيكون ممكنا البقاء وإبداء قدر أكبر من الالتزام تجاه إعادة البناء.
من هنا نصل إلى الموقف المرتقب لفريق كل من كيري- إدواردز من البرامج النووية الإيرانية. وعلى الأرجح فإن هذا الفريق سيبدي المزيد من الحزم في التعامل مع المحافظين والمتشددين الإيرانيين. يحتم عليهما ذلك، إعلاء نبرتهما الانتقادية الحادة لإدارة الرئيس بوش، جراء تراخيها في التصدي للتطلعات والبرامج النووية الإيرانية، في المحافل والمنابر الدولية.
ومع أنه من غير المرجح أن يلجأ فريق كيري- إدواردز إلى تأييد تبني فكرة توجيه ضربة عسكرية احترازية لطهران بسبب تلك البرامج والتطلعات، إلا أنهما سينهجان نهج بوش، في عدم رفع تلك القضية عن طاولة المناقشات الدولية. بيد أن النقد الذي يوجهه كلاهما لإدارة بوش في هذا الجانب، ينصب على مجمل أداء تلك الإدارة ومواقفها من سياسات حظر نشر الأسلحة النووية، وعجزها عن الأخذ بزمام المبادرة في الامتناع الدولي عن إنتاج كل من مواد اليورانيوم والبلوتونيوم عالية الخصوبة.
وفي منطقة الشرق الأوسط نفسها، سيما ما يتصل بها من قضايا كبيرة وأساسية مثل الطاقة، فإن الموقف المعلن من كل من المرشحين كيري وإدواردز، هو العمل الجاد من أجل خفض اعتماد الولايات المتحدة حاليا، على النفط المستورد من الدول الشرق أوسطية الغنية بمواردها النفطية. إلى ذلك فإن كلا من المرشحين الديمقراطيين، يعرب عن موقفه إزاء خطط وسياسات نشر الديمقراطية في المنطقة. وعن ذلك- سيما ما يتعلق بتركيا- يقول المرشحان الديمقراطيان إنهما لو قدر لهما أن يصلا بحملتهما إلى البيت الأبيض في شهر نوفمبر المقبل، فإن الأوضاع ستكون مغايرة جداً لما هي عليه الآن بالنسبة إلى تركيا وغيرها من دول المنطقة الأخرى. وقالا إن أهم هدف لسياستهما الخارجية الجديدة، سيكون جعل الصوت الأميركي مقبولا ومسموعا على المستويين الإقليمي والدولي. أما الواجب الأهم في جدول عمل الخارجية الأميركية المقبلة، فيتمثل في مواجهة التحدي العالمي، واستعادة الثقة المفقودة والمصداقية الأميركية التي هشمتها الحرب وما بعدها على العراق.