إن خط الدفاع الأول عن أمن الولايات المتحدة الأميركية، هو أن تكون لها أجهزة استخبارات يعتمد عليها في أجواء الحرب على الإرهاب الطاغية الآن. لكن وعلى نقيض ذلك، فقد كشف تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الصادر مؤخراً، أن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتهديد المزعوم، الذي قيل إن العراق يمثله لأمن الولايات المتحدة الأميركية، لم تكن دقيقة، ولا يمكن الاعتماد عليها في الكثير من الجوانب الأساسية. أضف إلى ذلك أن التقرير لم يقل سوى نصف الحقيقة، بينما صمت عن نصفها الآخر! المفقود في التقرير على وجه الدقة والتحديد، هو الكيفية التي تم بها توظيف واستخدام المعلومات الاستخباراتية.
ما حدث هو أن ذلك النصف إما تم تفسيره على نحو خاطئ، أو جرى تجاهله عمداًً من قبل صانعي السياسات الأميركية. والنتيجة هي أن مبررات الحرب قد صيغت، وفهم خلالها الجمهور الأميركي، أن الحرب على العراق أضحت ضرورة لابد منها، من أجل حماية الأمن القومي. يذكر أن قيادة لجنة الاستخبارات، قد أرجأت نشر هذه القضايا إلى حين صدور تقرير آخر، تقرر نشره ما بعد انتخابات نوفمبر الفاصلة المقبلة.
وبينما تمثل إخفاقات وكالة المخابرات المركزية "سي. آي. إيه" وغيرها من الوكالات والأجهزة الاستخباراتية، الأخرى جانبا أساسياً من المشكلة التي جرى التحقيق حولها في هذا التقرير، إلا أن المسؤولية واللوم إزاء الهزيمة الماحقة التي مني بها العمل الاستخباراتي الأميركي السابق للحرب على العراق، يظلان أوسع نطاقا، وأكثر شمولا مما ورد في التقرير الأخير الذي تحدثنا عنه آنفا. وفي معرض إلقاء اللوم والمسؤولية عما حدث، فإنهما لابد أن يشملا كبار القادة والمسؤولين في القطاع التنفيذي كله. إذ لابد لهؤلاء من أن يكونوا أكثر حرصا وحصافة، في اختبار مدى صحة التحليلات الاستخباراتية وافتراضاتها، بل ومدى دقة المعلومات نفسها التي تم جمعها حول الخطر الأمني الذي تمثله أسلحة الدمار الشامل العراقية، طوال الفترة السابقة للحرب.
ولكن الذي حدث كان مجافيا لروح المسؤولية هذه تماما، إذ كانت تقبل التحليلات المجارية للرؤى والتصورات الرسمية المؤيدة لشن الحرب، بينما ترفض أو تهمل، التحليلات الأخرى غير المؤيدة لاتجاه شن الحرب. وفيما عدا ذلك الفحص الذي أجراه كولن باول وزير الخارجية، أثناء استعداده للحديث الذي ألقاه أمام اجتماع مجلس الأمن الدولي المنعقد في شهر فبراير من العام الماضي 2003، فإنه بالكاد تتوفر أدلة على وقوف أي من مسؤولي الإدارة الحالية، أو توفيره هامشا من الوقت للتحقق من مدى دقة وصحة التقارير الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل المنسوبة للعراق قبل شن الحرب عليه.
هذا وقد شاع عن جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية المستقيل، رده على سؤال للرئيس بوش حول دقة المعلومات الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية بالقول إنها "إصابة مدوية". وفيما لو ثبتت صحة هذا الرد والحوار، فإن من الواجب أن تقع المسؤولية واللوم، على كافة مستشاري الرئيس بوش بسبب دورهم في التحقق من أبعاد تلك المعلومات التي نعتها مدير السي آي إيه بأنها "إصابة مدوية". بيد أن من الواضح أن شيئا من ذلك لم يحدث مطلقا. والشاهد أن كل الآراء والتحليلات والتحذيرات من المعلومات والتقارير الخاصة ببرامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، قد وجدت طريقها إلى آذان صماء، لا تريد أن تسمع ولا أن تعقل. من ذلك نذكر مثلا تقرير وكالة المخابرات القومية، الصادر في شهر أكتوبر عام 2002 عن برامج الأسلحة العراقية. كما نذكر أيضا، الملاحظات التحذيرية، المنسوبة إلى محللي وزارتي الطاقة والخارجية الأميركيتين حول المسائل النووية، وما يتصل بها من برامج التسلح العراقي. وأخيرا تحذيرات سلاح الطيران من الشكوك المثارة حول الطائرات العراقية التي تعمل بنظام الطيران بدون طيار. في المنحى ذاته، فقد ووجهت المعلومات والتحليلات التي توصلت إليها وكالة المخابرات المركزية سي آي إيه، حول وجود صلة ضعيفة، تكاد لا تذكر بين تنظيم القاعدة والعراق، بالكثير من الاستهجان والتساؤلات الاستنكارية، من قبل صانعي سياسات الرئيس بوش. حدث ذلك لأن شن الحرب على العراق، قد بات من قبيل الأمر الواقع الذي لا تراجع عنه.
ومما يؤسف له بالطبع أن قرارات الإدارة الأميركية قد ركلت الأدلة والحجج، بدلا من الأخذ بها واعتمادها. يذكر أن التحقيق التاريخي المشترك الذي أجراه كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب حول الأداء الاستخباراتي السابق لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، قد خلص إلى إصدار توصيات تتعلق بإصلاح الأجهزة الاستخباراتية القومية في تقريره الصادر في ديسمبر 2002. وبموجب تلك التوصيات، كان قد تقرر أن تعكف لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ على إعداد تقرير آخر، أكثر عمقاً حول بنية وأهلية الأجهزة والوكالات الاستخباراتية القائمة حاليا، على أن ينجز ذلك التقرير في غضون أسابيع. وكان من المفترض أيضا أن تتقدم اللجنة المعن