حظي الخطاب الذي ألقاه عمر حسن البشير رئيس الجمهورية السودانية يوم الاحتفال بالذكرى الخامسة عشرة لاستيلاء جماعة "الإنقاذ" على السلطة، باهتمام واسع ومتابعة لصيقة لعلها الأولى في مستواها بالمقارنة إلى خطابات سيادته العامة السابقة.
لقد حدد رئيس الجمهورية في خطابه ذاك نقاطاً واضحة أعلن أنه سيلتزم بها تماماً وهي في جملتها تشكل تقارباً ولقاءً مع ما ظلت تطرحه الأحزاب والفئات المعارضة لنظام حكم "الإنقاذ". من ذلك مثلا:
- الالتزام بالحوار مع كل القوى السياسية السودانية لجعل السلام عقداً سياسياً وهدفاً وطنياً.
- إشاعة العدل وكفالة الحريات واحترام التعدد والتنوع وعدم احتكار العمل العام لفئة بعينها وجعله حقاً لكل صاحب رأي وعطاء صادق.
- تشجيع منابر الرأي العام لتقويم الأداء ومحاربة الفساد.
- توجيه كل أجهزة الدولة لمراجعة الإجراءات الاستثنائية القائمة التي اقتضتها (حسب قول الرئيس) الضرورة.
- دعوة كل من يكون قد وقع عليه ظلم أن يتقدم للجهات المسؤولة ليسترد حقوقه إن كانت تلك الحقوق أهدرت من قبل.
رحبت كل القيادات السياسية خصوصا المعارضة منها، بما أعلنه رئيس الجمهورية ولكنها أبدت تحفظها من ألا يكون هدف الخطاب، الدعاية وحدها. ولهذا فإن المعارضين ينتظرون ليروا هذه الالتزامات مطبقة على أرض الواقع. إن من يراجع خطاب رئيس الجمهورية الذي يعد بمثابة برنامج عمل له خلال رئاسته يلاحظ إضافة إلى النقاط الموضحة أعلاه أن الخطاب ورغم أهميته تلك خلا من التعبيرات التي اعتاد الرئيس السوداني على ترديدها من قبل، مثل الكلام عن (ثوابت) الإنقاذ التي ظل يعلن دوماً أنه لا تراجع عنها، وكذلك الخوض فيما كان يسمى"المشروع الحضاري" إشارة إلى التمسك بفرض أحكام الشريعة الإسلامية بالمنهج والأسلوب الذي تؤمن به جماعة "الإنقاذ".
إن هذا الخطاب وما حواه يعني أن رئيس الجمهورية يقصد أن يعلن على الجميع في داخل السودان وخارجه أنه يستقبل العهد الجديد في الحكم الذي اقتضى أن يكون مشاركة مع الحركة الشعبية الممثلة للجنوب وغيرها بمنهج جديد وبلغة تختلف عما كان سائداً خلال عقد ونصف من الزمان هي عمر الجماعة الإسلامية في حكم السودان. ثم إن من المستحيل أن نلغي أو نهمل آثار الضغوط المتوالية التي تمارسها القوى العالمية الكبرى ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها على النظام بالتركيز على ما يجري في دارفور وهو يعني ضمناً عدم الترحيب بكثير من الممارسات التي اعتاد عليها حكام السودان الحاليون. والرسالة الأخرى التي عناها خطاب الرئيس البشير موجهة في الداخل إلى قادة الحركة الشعبية بغرض طمأنتهم بأنهم سيدخلون في شراكة في الحكم مع مجموعة منفتحة سياسياً وأن الحكم ما عاد أحادي النظرة كما كان الحال فيما مضى.
نخلص من كل هذا إلى القول إن الجميع، في الداخل وفي الخارج، على مستوى القيادات وحتى وسط المواطنين العاديين، ينتظر الآن ويراقب ليرى ما وعد به رئيس الجمهورية في الثلاثين من يونيو المنصرم واقعاً ماثلا للعيان.