إدواردز: جنوبي يكمل كيري ويشم رائحة القطن


 انتخابات الرئاسة الأميركية، إذن لم يزل في جعبتها الكثير من المفاجآت والنتائج والتحولات والقرارات غير المنتظرة؛ فإعلان مرشح الحزب الديمقراطي جون كيري عن اختيار جون إدواردز ليخوض إلى جانبه سباق انتخابات الرابع من نوفمبر المقبل كمرشح لمنصب نائب رئيس البيت الأبيض، مثل مفاجأة استرعت بشدة اهتمام الناخب الأميركي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة. أما المفاجأة الأخرى فهي ارتفاع شعبية الثنائي كيري- إدواردز لتصل نسبتها 49% من نوايا التصويت مقابل 44% لفريق الجمهوريين جورج بوش- ديك تشيني، وفقا لنتائج استطلاعات الرأي التي أجريت الأربعاء الماضي أي بعد يوم واحد على إعلان اسم إدواردز كنائب لكيري. فقد كان السيناتور جون إدواردز مدرجاً على لائحة تضم 25 شخصا مرشحين لتولي منصب نائب الرئيس الديمقراطي المقبل للولايات المتحدة، وبعد إجراء التصفية تم الإبقاء على أربعة مرشحين هم ريتشارد غيبهارد النائب عن ميسوري، وتوماس فيلساك حاكم ولاية إيوا، والسيناتور بوب غراهام من ولاية فلوريدا، إضافة إلى جون إدواردز نفسه عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الشمالية، والذي يعتبر أصغرهم سنا وأحدثهم خبرة في المجال السياسي! أشاد كيري بـ"بشجاعة وتصميم ومهارة" نائبه قائلا إنه "أهل لهذا المنصب"، ووعد خلال اجتماع انتخابي في بيتسبرغ بولاية بنسلفينيا بـ"أننا لن نقدِم أبداً، أنا وإدواردز على إرسال أولاد وبنات الولايات المتحدة إلى وضع خطير بدون أن نقول الحقيقة للأميركيين".


لم يكن إدواردز معروفا على نطاق واسع لدى أوساط الرأي العام الأميركي قبل الانتخابات التمهيدية للسباق على ترشيح الحزب الديمقراطي، عندما أثار مفاجأة بوصوله إلى المركز الثاني مباشرة بعد كيري وحصوله على نسبة 32% من أصوات المقترعين في انتخابات الحزب في ولاية إيوا يوم التاسع عشر من يناير الماضي! وفي اقتراع أولي آخر فاز في مسقط رأسه بولاية نورث كارولينا، قبل أن ينسحب من السباق الرئاسي معلنا تأييده لكيري الذي استفاد من سقوط المرشح هاورد دين بشكل مفاجئ. وفي يوم الثالث من مارس قال إدواردز أمام أنصاره:"اليوم قررت تعليق معركتي"، واختار كمكان لإعلان انسحابه مدرسة كان يدرس فيها ابنه ذو الستة عشر ربيعا الذي توفي في حادث سير عام 1996، فواساه في فقده حينئذ آلاف من سكان المدينة في عزاء أقيم في المدرسة نفسها. وفي ذلك الوقت كان إدواردز قد أصبح محاميا ذائع الصيت في الولاية، حيث اشتهر ببراعة مرافعاته التي كسب خلالها عدة قضايا نزاع مثيرة، وتسلق إلى سلم الغنى من خلال المحاماة التي كسب من ورائها ثروة كبيرة منذ أن ربح في إحدى قضايا دعوى التعويض مبلغ خمسة ملايين دولار في عام 1984.


لكن إدواردز الذي ولد في بلدة روبينز في بيدمونت في كارولينا الجنوبية عام 1952، هو ابن لعائلة فقيرة عاشت على هامش حياة البلدة، وكان والده ووليس عاملا يدويا في مصنع نسيج، ووالدته بوبي موظفة في مصلحة البريد المحلي، أما هو فكان يعمل مع والده خلال الصيف في مصنع النسيج، وتعلم في المدارس الرسمية قبل أن يكون أول فرد من عائلته يلتحق بالجامعة، ليتخرج برتبة الشرف من كلية كارولينا الشمالية عام 1974، ثم برتبة مماثلة من كلية الحقوق في جامعة شابيل هيل عام 1977. وعلى مقاعد الدراسة التقى مع اليزابيث أنانيا ليتزوجا وينجبا أربعة أطفال.


 ولأن زوجته محامية ناجحة، عادة ما يقارن البعض بينهما وبين الرئيس السابق بيل كلينتون وزوجته هيلاري، فالزوجان كلاهما من الجنوب، وكلاهما قابل نصفه الآخر في كلية الحقوق، وكلاهما فتح مكتبا مشتركا للمحاماة، وينتمون جميعا إلى الجناح المعتدل في الحزب الديمقراطي. بيد أن ما يميز جون إدواردز هو نشاطاته الخيرية أثناء ممارسته مهنة المحاماة وتعاطفه مع الطبقات الفقيرة والعمالية، فخلال حملته التمهيدية أدان بشدة التفاوت الاقتصادي بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة مطلقا مقولته التي انتقد فيها وجود "أميركتين"، وقدم قائمة مقترحات "تهدف إلى تحرير واشنطن من قبضة المصالح الخاصة"، وقال مشيرا إلى طفولته الفقيرة:"حتى اليوم أشم رائحة القطن والقماش المصنوع... لا تعتقدوا أنني أؤيد الطبقة العاملة حبا في أصواتها، إنني أؤيدها لأني جزء منها". لذلك يعتبر محللون أميركيون أن الأصول الجنوبية المتواضعة لسيناتور كارولينا الشمالية ذي المذهب البروتستانتي، يمكن أن تلعب دور عنصر مكمل لكيري، الكاثوليكي الليبرالي، المنتمي للطبقة البورجوازية الثرية في شمالي شرقي البلاد وابن الدبلوماسي والمتزوج من ثرية أيضا. كما يتوقع أن يمثل اختيار جون إدواردز "توازنا جيدا" مع أسلوب جون كيري الصارم جدا، إذ يتمتع إدواردز بحضور قوي وبجاذبية ومظهر أنيق لا تفارق الابتسامة وجهه، حتى خلفت ملامحه الطفولية وروحه المرحة انطباع إعجاب واسع (نسبة 73%) داخل القاعدة الانتخابية للديمقراطيين، وفقا لنتائ