دعونا ندخل في الموضوع مباشرة دونما مقدمات تذكر. هذه خواطر و أفكار راودتني خلال رحلتي في نهاية الشهر السادس من هذا العام إلى الولايات المتحدة، وتحديداً ذكريات مدينة نيويورك التي لم أزرها منذ عام 1990. كنت هناك بقصد الدراسة مشاركاً في لقاء تربوي للجمعية الأميركية للإشراف التربوي و المناهج. لن أتحدث كثيراً عن مجريات اللقاء التربوي، لكنني آثرت تسجيل بعض المواقف التي مررت بها وأترك لك عزيزي القارئ حرية التفكر والاختلاف حول ما سيرد.
نيويورك أكثر نظافة وآمَن من العقد الماضي، وأهل المدينة يشكرون كثيرا حاكمهم الجديد الذي نجح في إيصالها إلى ما وصلت إليه. القيادة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن النجاح والفشل في الولايات المتحدة الأميركية، وإذا لم توفق في دورها عزلتها صناديق الاقتراع. بعد هذه الملاحظة أنقلكم إلى الحوار الأول الذي دار بيني وبين سائق السيارة التي أقلتني من المطار. فبعد أن تأكد أنني عربي مسلم ولست من المكسيك كما يبدو على جلدي، طرح سؤاله مباشرة دون تردد: ما رأيك في أحداث الطائرات التي غزت نيويورك؟ بلغة أخرى كان يحاول معرفة مدى تأييد العرب للأحداث. في البداية اعتقدت أنه من عناصر الاستخبارات، كما يبدو لنا كعرب، أو كما نراه في التلفاز الأميركي، لكنني لم أتردد لحظة في الرد على سؤاله بسؤال بسيط، فقلت له: ما رأي الأميركان في أحداث سجن أبو غريب؟ وهل كل الجيش الأميركي يقر ما فعله بعض الجنود؟ استغرب سؤالي ورد بعصبية لم أفهمها إلا بعد أن عرفت أنه من أصل كولومبي، وقال باختصار: إننا كشعب أميركي صعقنا بالمشاهد التي رأيناها عن أفعال الجنود، لكنك كما قلت إنهم شرذمة قليلة لا يمثلون الغالب الأعم. فقلت له: كذلك رأي العرب في أحداث نيويورك. فأنا شخصيا إلى الآن لا أعرف من وراء العملية. لقد كان لها جنود منفذون، لكن وراءها قادة مخططين. مَن هم تحديدا؟ نترك الجواب للتاريخ.
هذا اللقاء مع السائق دفعني لزيارة منطقة الصفر في نيويورك وهي ما كان يعرف بمركز التجارة العالمي. ذهبت للتعرف على آثار الدمار فلم أرَ سوى حفرة عميقة جدا، فالمنطقة تعد لمشاريع مهمة، لكنني سجلت في ذهني عبارة: لقد تحطم برجا التجارة العالميان، وسقط مركزان يمثلان رمزا للتجارة الأميركية، وسقوط البرجين بلاشك خسارة كبيرة، لكن المكاسب التي تحققت للولايات المتحدة بعد السقوط لم تكن لتتحقق لولا تلك الأحداث. فمتى كانت أميركا تحلم بموقع في قلب آسيا، بجوار مناطق الالتحام السياسي مع الصين وروسيا وغيرها من الأقطاب العالمية... والمركز الثاني هو أرض الرافدين مركز الحضارة الإسلامية، وقلب رابط بين الخليج العربي وإيران وبقية المناطق العربية؟. لا عجب أن تكون السفارة الأميركية في العراق الجديد أكبر سفارة لهم في المنطقة يعمل بها ما يقارب الثلاثة آلاف موظف. وأهم من كل ما سبق أن العراق من المراكز العالمية للنفط، هذا النبع الذي يتمحور حوله كل مشروع ناجح. فالنفط للعالم ثروة تستحق العناء لأن مكاسبه لا تعد ولا تحصى. لا أدعي أن كل ما حصل كان من أجل النفط، لكن إليكم مصدر الفكرة.
لا أعتقد أن الرئيس الأميركي تعرض لأزمة انتخابية تهدد مستقبله السياسي مثل الفيلم الأميركي " فرهنهايت 9/11"، الذي عرض لأول مرة وحرصت على حضوره. وكعربي أستغرب موقف الحكومة الأميركية من هذا الفيلم. لماذا يسمح لهذا المخرج بالتهجم الواضح على رئيس أميركا، وكيف يجرؤ على تسجيل العديد من التهم والشكوك حول ذلك المقام، ولماذا يسكت وزير الدفاع عنه؟. كان من المفترض أن يرسل له بعض زوار الظلام كي يزيلوه من الوجود أو يسحقوه. لكنها أميركا التي وقف القضاء فيها في صف امرأة اشتكت من تجاوز الرئيس كلينتون لحدوده فأنصفها القضاء. وها هو الفيلم يُعرَض وفي تصوري أنه أخطر من أزمة لوينسكي- كلينتون. لم أحضر فيلماً في حياتي يضحك الجمهور ثم يبكيه، ولم أرَ فيلماً يصفق له الناس في نهايته كما رأيت في هذا الفيلم. ليست دعاية للفيلم، إلا أنه يعطينا وجهة نظر تستحق التفكر فيها حول دور الإعلام في البحث عن الحقيقة.