عاد شعار يهودية إسرائيل ليحتل واجهة الحديث عن تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي فيما يتصل بالقضية الفلسطينية. هذه المرة جاء الحديث فصيحاً صريحاً عن الدلالات السياسية والتطبيقات العملية لهذا الشعار الصهيوني الأيديولوجي.
في الخامس والعشرين من يونيو 2004, صادق الكونجرس الأميركي على رسالة التعهدات التي وجهها الرئيس "بوش" إلى شارون خلال زيارته إلى واشنطن في 14 أبريل 2004. وفي السادس والعشرين من يونيو صادق مجلس الشيوخ الأميركي على نفس الرسالة التي تضمنت تعهدين: الأول إسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم الواقعة في حدود 1948، والثاني احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى وعدم ضرورة العودة إلى حدود 1967.
وهكذا أصبح شعار يهودية إسرائيل أو إسرائيل اليهودية مفهوماً سياسياً متبلوراً يعني التطبيق العملي في منع اللاجئين الفلسطينيين من تهديد الطابع السكاني اليهودي الغالب على إسرائيل عن طريق المطالبة بحق العودة.
من المؤكد أن مجلسي الكونجرس الأميركي بدورهما المؤثر في السياسة الأميركية هما أصحاب الدور الأكبر في دفع شعار يهودية إسرائيل إلى واجهة الأحداث. غير أن الشعار كان قد سبق إلى الظهور خلال شهر يونيو 2004 في مناسبة أقل أهمية ومن خلال منبر لا يرقى إلى مستوى الكونجرس وهو صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية على الرغم من أن المتحدث عن الشعار كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
ذلك أن الصحيفة أجرت حواراً مع الرئيس الفلسطيني الخامس عشر من يونيو الماضي. ونشر الحوار في عددها يوم 18/6/2004.
ترى كيف كان اتجاه حديث عرفات عن الشعار وهل جاء مبكراً قبل قرار الكونجرس ليقدم اعتراضاً مبكراً عليه ويعلن التمسك بحق العودة الذي سبق وصمم عليه في مفاوضات "كامب ديفيد 2000" مع "كلينتون" و"باراك"، وليضع بالتالي "فيتو" على المفهوم السياسي للشعار وتطبيقه المتوقع في مجال التسوية النهائية؟
قبل أن نجيب على السؤال من خلال استعراض حديث عرفات للصحيفة الإسرائيلية أجد من الضروري أن أشير إلى مقال نشرته في "وجهات نظر" قبل عام بتاريخ 20/6/2003 تحت عنوان "خطورة الاعتراف بيهودية إسرائيل"، وكانت المرامي السياسية للشعار غير واضحة في أذهان بعض الباحثين العرب الذين يقومون بمهام الشرح والتعليق على شاشات الفضائيات. لقد نشرت ذلك المقال بعد أن سمعت البعض يعبر عن اعتقاده بأن إعلان الرئيس "بوش" في قمة العقبة وهو واقف إلى جوار محمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني عن اعترافه بإسرائيل كدولة يهودية هو مجرد إعلان أيديولوجي لن يكون له أثر سياسي. لقد ظهر الشعار في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي الذي انعقد في 25/5/2003 قبل أيام من قمة العقبة لإقرار خطة خريطة الطريق.
في تلك الجلسة ثار عدد من الوزراء ضد شارون لاستعداده لقبول خريطة الطريق وتم التوافق على إعادة صياغة التحفظات الرسمية على الخريطة بما يرضي الوزراء المعارضين لها بما يضمن أمرين، الأول: منع انسحاب إسرائيل من الضفة وغزة انسحاباً كاملاً إلى حدود 1967، والثاني: منع أي لاجئ فلسطيني من العودة إلى دياره داخل حدود 1948. وقد تمت صياغة بند منع اللاجئين من العودة بصورتين تنص إحداهما على أن يعلن الفلسطينيون في قمة العقبة على لسان محمود عباس رئيس الوزراء أن إسرائيل دولة يهودية، وتنص الثانية على أن الدولة الفلسطينية تشكل الحل الوحيد لمشكلة اللاجئين. وكما هو معروف فقد رفض محمود عباس في العقبة أن يعلن اعترافه بيهودية إسرائيل في حين فعل ذلك الرئيس الأميركي. ومن المهم أن نتذكر هنا أن "سيلفان شالوم" وزير الخارجية الإسرائيلي قد أعلن بعد القمة أنه هو صاحب الفضل في إقناع الرئيس بوش في اللحظات الأخيرة قبل المؤتمر الصحفي بهذا الإعلان الذي اعتبره نصراً كبيراً له كوزير للخارجية.
إذن كان هناك رفض فلسطيني رسمي في قمة العقبة لشعار يهودية إسرائيل إدراكاً لأهدافه السياسية. غير أن مرور عام منذ انعقاد القمة مشحون بالجمود السياسي في عملية التسوية من ناحية وبتصاعد عمليات البطش الوحشي بالشعب الفلسطيني وممتلكاته وسلطته وكوادره المقاومة من ناحية أخرى، قد انتهى فيما يبدو إلى مشهد جديد. ذلك أن الرئيس عرفات في حديثه المذكور مع "هآرتس" رأى أن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعود إلى عام 1988 خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان المجلس عن قراره بإنشاء الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة وغزة. إن الإيحاء الذي يؤخذ من حديث عرفات يشير إلى تبنيه صيغة وسطية، فهو من ناحية يعلن للصحيفة أنه يدرك ضرورة أن تبقى إسرائيل دولة يهودية, غير أنه من ناحية ثانية يصمم على حق بعض اللاجئين في العودة إلى ديارهم داخل إسرائيل. ذلك أنه رداً على سؤال يقول هل تتفهم أن تبقى إسرائيل دولة يهودية؟ أجاب عرفات بقوله بالتأكيد، لقد وافقنا على ذلك رسمياً وبشكل علني أثناء اجتماع مجلسنا الوطني عام 1988. مضيفاً, أنه لا يمكن لأي قيادي فلسطيني أن يتنكر لحق إسرائيل في الوجود بتهربه م