منذ أربع سنوات خلت، وعندما اختار "جورج بوش" مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة "ديك تشيني" كي يخوض الانتخابات كنائب له، كان القول المتداول وسط أساطين السياسة في واشنطن أن "تشيني" قد أضاف ثقلا كان مطلوبا بشدة على قائمة "بوش". ففي ذلك الوقت كان "بوش" يبدو في نظر منتقديه في صورة الرجل الذي يفتقر إلى (الثقل) المطلوب. ولذلك كان هدفه من اختيار "ديك تشيني" بالذات هو تحقيق التوازن المطلوب في قائمة الحزب الجمهوري الانتخابية من خلال إكسابها ذلك النوع من الثقل.
والسيناتور "جون إف. كيري" المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة, فعل شيئا مثل هذا عندما أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن السيناتور "جون آر. إدواردز" سوف يخوض الانتخابات كنائب له. والسؤال المشروع الذي يحق للناخبين الأميركيين توجيهه اليوم هو: أين يكمن (الثقل) هنا؟
لعدة شهور دأب "كيري" على رفض كل الأسماء المرشحة لمنصب نائب الرئيس قبل أن يستقر رأيه في النهاية على اختيار "إدواردز". وعلى ما يبدو أنه قد فعل ذلك بعد أن قرر بينه وبين نفسه أن موضوع الثقل ليست له أهمية تذكر في هذه الحالة. والحقيقة هي أن "إدواردز" لم يكن هو خيار "كيري" الأول بل ولا حتى الثاني، بدليل أنه قد حاول أن يغازل علنا السيناتور "جون ماكين" وهو سياسي جمهوري منشق عن حزبه ويختط لنفسه طريقا مستقلا، قبل أن يقرر الأخير أنه يفضل أن يبقى جمهوريا. وبعد أن فشل "كيري" في اجتذاب "ماكين" كان المعتقد على نطاق واسع أنه يراقب بعض السياسيين الآخرين كي يقوم باختيار واحد منهم كنائب له. والسيناتور "ماكين" معروف بأنه سياسي ذو ثقل على عكس "إدواردز" الذي لم يشتهر بأنه كذلك، على رغم أنه قد جاء الثاني في الترتيب بعد "كيري" في الانتخابات النهائية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة.
ربما يكون "كيري" قد اعتقد عند اختياره إدواردز أنه - أي كيري- لديه من الثقل ما يكفيه هو ونائبه أو ربما يكون قد ظن أن هناك صفات أخرى تتوافر في "كيري" وتفوق في وزنها حقيقة أنه في الدوائر السياسي على الأقل لا يتم النظر إليه على أنه سياسي من الوزن الثقيل.
صحيح أن كون "إدواردز" جنوبيا يحقق نوعا من التوازن الجغرافي للقائمة الانتخابية للحزب الديمقراطي، ولكن الأيام التي كان ينظر فيها إلى مثل هذا الأمر على أنه يمثل شأنا مهما قد ولت على ما يبدو. فقد شهد عام 1960 المرة الأخيرة التي حظيت فيها الجغرافيا بأهمية وذلك عندما اختار "جون كنيدي" سياسيا من ولاية تكساس الجنوبية هو "لندون جونسون" كي يخوض الانتخابات كنائب له. وقد أضفى "جونسون" في ذلك الوقت ذلك النوع من الثقل على القائمة الانتخابية لـ"كنيدي"، كما أن اختياره جاء ليطمئن الأميركيين الذي كان يساورهم القلق بشأن (كاثوليكية) "كنيدي".
و"كيري" شأنه في ذلك شأن كنيدي ينتمي إلى المذهب الكاثوليكي وإن كان يختلف عنه في أنه يؤيد للإجهاض, أما "إدواردز" فهو "بروتستانتي" ولكنه تصادف أن يعتنق نفس آراء "كيري" بشأن الإجهاض. وعلى أية حال فإن الأميركيين لم يعودوا يأبهون بديانة المرشحين للانتخابات كثيرا في الوقت الراهن.
إذا لم يكن "إدواردز" قادرا على ضمان تأييد الجنوب الأميركي لـ "كيري" فهل يستطيع على الأقل أن يضمن له تأييد الولاية التي ينتمي إليها وهي نورث كارولينا؟ ليس بالضرورة. فقد حقق "إدواردز" نصرا بشق الأنفس على الجمهوريين في انتخابات اختيار عضو مجلس الشيوخ عن الولاية عام 1998، حيث حصل على 51 في المئة من الأصوات, والجمهوريون هناك يحاولون جاهدين أن يستعيدوا المقعد الذي خسروه. وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن "إدواردز" نفسه لا ينوي التجديد كعضو في مجلس الشيوخ فإننا سندرك حينئذ أنه ليس هناك من الأسباب ما يدعو للاعتقاد أنه قادر على ضمان تأييد الولاية لـ "كيري".
ربما يكون "كيري" وهو ابن النخبة الشمالية الثرية ينظر إلى خلفية "إدواردز" كرجل ينتمي إلى الطبقة الوسطي كعنصر يمكنه التعويل عليه لكسب تأييد الطبقة العاملة من الرجال والنساء. فـ "إدواردز" لا يجد حرجا في الاعتراف بأن والده كان يعمل طحانا، وأن أمه كانت تعمل في مكتب بريد، وأنه كان أول عضو في عائلته يلتحق بالجامعة.
يتعين علينا الانتظار كي نرى ما إذا ما كان "إدواردز" الثري -يعتبر في عداد المليونيرات-، الأنيق، الوسيم، المعسول الحديث الذي شحذ مهاراته الكلامية من خلال عمله كمحام مرافعات في قاعات المحاكم، سيكون لديه القدرة مع ذلك على تسويق نفسه كرجل ينتمي إلى الجماهير العادية أم لا.
في النهاية هناك النقطة الخاصة بالخبرة. فالخلفية الوظيفية التنفيذية للرجل أقل من "كيري"، كما أن سجله في مجلس الشيوخ ما زال متواضعا. فبخلاف خبرته كمحام، فإن الرجل سيكون- إذا ما قدر لـ "كيري" أن يفوز في الانتخابات- أقل نواب الرئيس من حيث الخبرة التنفيذية والسياسية أو الخبرة في السياستين الداخلية والخارجية مقارنة بأي نائب رئيس أميركي آخر في التاريخ القريب.
لين نوفزيجر
ـــــــــــــــ