من الواضح أن عملية بناء الأمم بعد الحروب والصراعات عملية ليست سهلة، بل هي في أغلب الأحوال مغامرة محفوفة بالمخاطر. وضمن هذا الإطار يحضرني مثالان أولهما في أفغانستان، حيث الحملة الأميركية التي استهدفت قبل أقل من ثلاث سنوات حكومة "طالبان" وعناصر "القاعدة"، وهي حملة ناجحة بالمقاييس العسكرية، لكن حتى الآن لم تنعم أفغانستان بالاستقرار الذي كان يتوقعه الأفغان أو المحللون الاستراتيجيون، فالارتباك الأمني لا يزال عقبة تجعل من الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها في سبتمبر من العام الجاري عملية صعبة، فالحديث يدور الآن حول تأجيلها شهراً ليتم إجراؤها في أكتوبر المقبل.
صحيح أن غياب الأمن يقف حجر عثرة أمام التحول الديمقراطي في بلد عصفت به الحروب الأهلية، لكن من دون إجراء الانتخابات تبقى مصداقية التحول الديمقراطي على المحك.
أما المثال الثاني فموجود الآن داخل العراق، فالأمر ربما يكون أكثر صعوبة من أفغانستان، لأن الساحة العراقية باتت، وفق المنظور الأميركي، جبهة للحرب على الإرهاب، فتارة نسمع تصريحات تفيد بأن "أبومصعب الزرقاوي" وأعوانه مسؤولون عن التدهور الأمني في العراق، وتارة أخرى نسمع عن تدخل من قبل الدول المجاورة، وفي كلتا الحالتين تغيب الحقيقة، فلا أحد يستطيع تأكيد الجهة المسؤولة عن العمليات الإرهابية في العراق، أو الجهات التي تدعم منفذي هذه العمليات. هذا المشهد العراقي الملتهب ربما يجعل من إجراء الانتخابات مهمة صعبة، وهو ما قد يضع الحكومة العراقية المؤقتة وكذلك الولايات المتحدة في وضع لا تُحسدان عليه، لأن شعار نشر الديمقراطية في العراق أو جعل بلاد الرافدين نموذجاً للديمقراطية في الشرق الأوسط سيبقى معلقاً ما لم يتم إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة عراقية منتخبة.
فارس خالد - بغداد