في الأسابيع القليلة الماضية، انتقد المحافظون اختيار نظام التمثيل النسبي من أجل الانتخابات العراقية، كما استخفوا بقسم المساعدات الانتخابية التابع للأمم المتحدة وبمديرته "كارينا بيريللي". لكن الخطة التي يقترحها هؤلاء المنتقدون من أجل العراق- وهي ترفض نظام التمثيل النسبي وتميل إلى اتباع الأسلوب الأنجلو-أميركي أي نظام الأغلبية النسبية- ليست وصفة لتحقيق الاستقرار في العراق.
ويرى منتقدو الأمم المتحدة، ولا سيّما "مايكل روبن" في مقاله يوم 19 يونيو الماضي في هذه الصحيفة و"ريتشارد بيرل" في خطابه في معهد "ذي أميركان إنتربرايز إنستيتيوت"، أن خطة الأمم المتحدة المعنية بالانتخابات العراقية في يناير المقبل تتجاهل رغبة الليبراليين العراقيين في انتخابات على أساس الدوائر الانتخابية، وأنها على الأرجح ستؤدي إلى عواقب كارثية على غرار العواقب التي تولّدت عن النظام الطائفي المخفق في لبنان. ويزعم آخرون أن خطة الأمم المتحدة ستؤذي الأغلبية الشيعية فتؤدي إلى المزيد من انعدام الاستقرار.
لكن انتقاد مساعي الأمم المتحدة بخصوص الانتخابات ليس له ما يبرره. ذلك أن "بيريللي" أشرفت مع طاقمها على انتخابات ناجحة في تيمور الشرقية ونيجيريا وأماكن أخرى، في حين لعب قسمها دوراً حاسماً في تحقيق الديمقراطية في كل من ناميبيا وكمبوديا وموزامبيق وأندونيسيا وبلدان أخرى. ومن المؤكد أن الأمم المتحدة مذنبة وتتحمل وزر أخطاء مؤسساتية خطيرة، لكن إدارتها وتخطيطها للانتخابات يشكلان بقعة مشرقة. وباعتبار أن "كارلوس فالنزويللا" المخضرم الذي أدار معظم الانتخابات التجريبية حول العالم يتولى الآن قيادة الانتخابات العراقية، فإن الأمم المتحدة تقدم ثروة من الخبرة الجاهزة للاستعمال.
فلماذا يكون من الصواب التوصية بنظام التمثيل النسبي في ما يتعلق بانتخابات الجمعية التشريعية في العراق؟ السبب الأول والأهم هو أن هذا النظام سيتفادى الشذوذات التي تسود عندما يتم استخدام نظام تمثيل كل منطقة بعضو واحد وهو النظام المستخدم في الديمقراطيات الناشئة. ففي عام 1988، فاز حزب "المؤتمر من أجل الديمقراطية"في دولة ليسوتو الأفريقية بجميع المقاعد إلاّ واحداً في البرلمان بـ60% من الأصوات فوقعت إثر ذلك أعمال الشغب وانهارت الدولة. وفي الانتخابات المنغولية عام 2000، فاز الحزب الحاكم بـ95% من مقاعد البرلمان بـ58% من الأصوات. وفي العراق، من شأن نظام كهذا أن يعطي على الأرجح "مقاعد إضافية" إلى الأحزاب الشيعية، وهو ما سيضر بالجماعات ذات الأساس السنّي وبالحركات الناشئة المتعددة الإثنيات.
منذ أربعين عاماً، حذّر "آرثر لويس" الفائز بجائزة نوبل للسلام قائلاً: إن السبيل المضمون وإلى أقصى درجة، لقتل فكرة الديمقراطية في مجتمع متعدد الأعراق هي تبني نظام الانتخابات الأنجلو-أميركي المبني على تمثيل كل منطقة بعضو واحد (وهو ما يدعى بنظام الأغلبية النسبية). وخلافاً لاعتقاد "ريتشارد بيرل" بأن نظام التمثيل النسبي سيقوي الانقسامات الإثنية والدينية في العراق، فإن الأدلة الواردة من أمكنة أخرى توحي بما هو عكس ذلك تماماً. فعلى رغم صحة الحقيقة التي مفادها أن التمثيل النسبي لن يلغي هذه النزعات، فإن المناطق الممثلة بعضو واحد تكون أكثر ميلاً إلى تطويق انشقاقات كهذه. ويضع هذا النظام أهمية قصوى على حشد جماعة المرشح في المنطقة التي ترشّح عنها. ولا يكون هناك في أكثر الأحيان حافز اللجوء إلى الناخبين خارج القاعدة الأساسية.
وقد أدى نظام تمثيل كل منطقة بعضو واحد إلى تسهيل ظهور الأحزاب الشوفينية التي تتمحور حول الإثنية، وذلك في المجتمعات الأفريقية والآسيوية المنقسمة. وعلى العكس من ذلك، هناك حوافز متأصلة في طبيعة التمثيل النسبي وتشجّع على لجوء المرشحين إلى الناخبين خارج حدود جماعاتهم، إضافة إلى أن التمثيل النسبي يترك مجالاً لنمو الأحزاب المتعددة الإثنيات، كما هي الحال في جنوب أفريقيا. وهكذا تكون لكل صوت أهميته ودوره في السير نحو الفوز بمقاعد إضافية في الهيئة التشريعية الوطنية، كما سيكون من شأن ذلك أن يحفز على اجتذاب أصوات من الأحزاب الكردية والسنّية في العراق.
والأنظمة الانتخابية المؤسسة على الأغلبية تستبعد، على نحو منهجي، النساء والأقليات الأصغر من عملية التمثيل. ولا تحظى النساء بتمثيل كاف في كل أنحاء العالم، غير أن هذا الوضع يكون أسوأ بكثير وإلى حد خطير عندما يتم استخدام نظام تمثيل كل منطقة بعضو واحد. لكن التمثيل النسبي يتيح استخدام آليات معينة للتنوع ما بين الجنسين عندما يقوم كل حزب بوضع قوائم مرشحيه. وأخيراً، يتجنب نظام التمثيل النسبي برميل البارود الذي يتشكل لدى رسم حدود المناطق الانتخابية، وبذلك يجعل عملية تسجيل الناخبين أسهل بكثير.
ولهذه الأسباب كلها، وبعيداً عن نطاق الأمم المتحدة، لا يكون نظام التمثيل النسبي- بحسب اتهام "جيم هوجلاند" له في مقالته التي تم نشرها يوم 20 يونيو- "نظاماً انتخابياً مثيراً للجدل والخلاف". ذلك أن أنظمة