متى أصبح التفاؤل- وهي الكلمة المفضلة التي يرددها "بوش" باستمرار في حملته الانتخابية هذه الأيام- يعنى العجز عن مواجهة الحقائق؟ سبب هذا التساؤل هو أن الرئيس "بوش" أصر يوم الجمعة الماضي، على أن التقرير المثير للإحباط إلى حد كبير الخاص بمستوى التوظيف في الولايات المتحدة، والذي كانت أرقامه تقل بكثير عن التوقعات التي سادت قبل نشره- كان يمثل خبراً طيبا. كان ما قاله "بوش" هو:"نحن نشهد الآن نمواً مطرداً... نعم نمواً مطرداً... وهذا أمر مهم لأننا لسنا بحاجة إلى ذلك النمط من النمو الذي يتم في شكل طفرة قد تؤدي بنا إلى الانتعاش وقد تؤدي بنا إلى فشل ذريع".
ولكن "بوش" قاد البلاد عبر فترة من الفشل الذريع. فلأول مرة منذ عام 1932، تقل معدلات التوظيف في صيف عام الانتخابات الرئاسية عما كانت عليه في اليوم الذي تولى فيه الرئيس (بوش في هذه الحالة) سلطاته بشكل رسمي.
عندما جاءت أرقام العمالة في شهر مارس الماضي أفضل مما كان متوقعاً، قمت بتحذير القراء من مغبة التعويل كثيراً على نتائج شهر واحد، واتخاذها مقياساً لما هو آتٍ. وقلت إن المهم هو أن نحاول معرفة مستوى أداء الاقتصاد على مدى زمني أطول من ذلك، ونسأل أنفسنا سؤالا هو: هل كان أداء الاقتصاد الأميركي جيداً خلال ذلك المدى الزمني؟ الجواب بالنفي طبعا.
إذا أردت عزيزي القارئ رقماً معيناً يدلك على حقيقة الأمر، فإن هذا الرقم يتمثل في رقم البالغين من أصحاب الوظائف. عندما تولى "بوش" الحكم، كانت نسبة هؤلاء هي 64,4، وفي أغسطس الماضي هبطت هذه النسبة لتصل إلى 62,2، وفي يونيو وصلت إلى 62,3. ومعنى هذا أن وضع التوظيف قد تدهور بشكل حاد خلال الثلاثين شهرا الأولى من تولي "بوش" لسدة الحكم. واللافتات الإعلانية المرفوعة في الحملة الانتخابية للرئيس "بوش" تتباهى بإضافة 1,5 مليون وظيفة خلال العشرة شهور الأخيرة، كما لو كان ذلك يمثل إنجازاً باهراً. وفي الحقيقة أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق: فخلال سنوات حكم "كلينتون" كان تتم إضافة 236 ألف وظيفة شهرياً في المتوسط. وهذا المليون ونصف مليون وظيفة الذي أضيف في عهد "بوش" حتى الآن يكفي بالكاد للتماشي مع تنامي أعداد كبار السن من الموظفين.
في الربيع بدا الأمر كما لو أن إيقاع نمو الوظائف قد بدأ في التسارع. وفي شهر مارس وإبريل، أضاف الاقتصاد 700 ألف وظيفة. ولكن ذلك العدد يبدو الآن وكأنه مجرد نقطة صغيرة على شاشة، أو كأنه شيء يحدث لمرة واحدة، وليس تحولا في اتجاه سائد. والنمو الذي حدث في شهر مايو، كان يقل إلى حد ما عن المتوسط الذي كان سائداً في فترة حكم "كلينتون". أما أرقام يونيو (112 ألف وظيفة جديدة فقط) مع تقليص عدد ساعات العمل في تلك الوظائف، فقد مثلت معدلا منخفضا للغاية.
ولكن ماذا عن النمو الشامل؟ بعد عامين ونصف من النمو البطيء، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل مفاجئ في الربع الثالث من عام 2003 وذلك بعد أن كان ينمو بمعدل يبلغ 8 في المئة سنويا. ولكن هذا الارتفاع المفاجئ بدا هو الآخر كما لو كان مجرد نقطة صغيرة على شاشة كما قلنا. والدلائل المتفرقة على ضعف الاقتصاد والتي تمثلت في تزايد عدد وثائق التأمين الجديدة ضد البطالة، وتزايد عدد الإعلانات عن تنزيلات البيع في المتاجر الكبرى، والتناقص المطرد لطلبيات السلع المعمرة- دفعت كلها العديد من المحللين إلى الشك في أن النمو قد شهد المزيد من التباطؤ في الربع الثاني.
وفي الحقيقة أن النمو الاقتصادي يمر على الطبقة العاملة الأميركية دون أن تستفيد منه. فمقدار الرواتب الأسبوعية التي يتقاضاها العمال الذين لا يعملون في وظائف إشرافية ارتفع بنسبة 1,7 في المئة فقط مقارنة بالعام الماضي، وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة التضخم. والسؤال الآن هو: إلى أين يمضي النمو؟ ليس هناك سر في ذلك، حيث يمكننا القول ونحن على يقين إن أرباح الشركات الأميركية بعد خصم الضرائب، قد انحدرت إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ عام 1929 وهو عام الكساد الاقتصادي الكبير.
هل هناك سياسات مختلفة يمكننا أن نقوم باتباعها في هذا الشأن؟ لمدة ثلاث سنوات ذهب اقتصاديون كثيرون إلى أن أفضل سياسات لخلق الوظائف من حيث الفاعلية، هي تلك السياسات التي تركز على زيادة المساعدات المقدمة لحكومات الولايات والحكومات المحلية، وعلى زيادة نطاق التأمين على البطالة، وزيادة الإعفاءات الضريبية للعائلات الأميركية ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
ولكن حكومة بوش للأسف لم تهتم بمثل تلك السياسات. ليس هذا فحسب بل إن تلك الحكومة لم تقم بمنح ولاية مثل ولاية "نيويورك" مثلا المساعدات التي كانت قد وعدتها بها في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، كما أنها توقفت عن مد نطاق التأمين ضد البطالة، وقامت بدلا من ذلك بالتركيز على منح الإعفاءات الضريبية للأغنياء والموسرين، متجاهلة الأصوات التي حذرت من أن ذلك لن يفيد كثيرا في توفير وظائف.
بعد النمو الجيد في الوظائف في مارس وإبريل، أعلنت إدارة بوش أن النهج الذي تتبعه في هذا الشأ