عندما التحقت (كاترينا ماكسيانوفا) الحاصلة على درجة البكالوريوس في الأدب المقارن من جامعة كولومبيا بدورة دراسية العام الماضي، قام الأستاذ المشرف على الدورة بتكليفها بالحصول على أصل مقالتين كانتا قد نشرتا في مجلة (نيو لفت ريفيو) New Left Review في تاريخ لم يحدده. وقد تمكنت ماكسيانوفا من العثور على إحدى المقالتين على الفور عن طريق محرك البحث (جوجل).. أما المقالة الأخرى فإنها اضطرت إلى البحث عنها في قاعة الكتب والمطبوعات القديمة في المكتبة، بعد أن فشلت في العثور عليها على شبكة الإنترنت. وتقول ماكسيانوفا إن جميع الطلاب المشتركين في الدورة حاولوا الحصول على المقالتين من مواقع على الشبكة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء القيام بزيارة المكتبة.
خلال الأعوام القليلة الماضية، لاحظ أمناء المكتبات حدوث زيادة مطردة في استخدام مواقع البحث على الشبكة، ليس من أجل رفد البحوث التي يتم القيام بها من خلال الاستعانة بأرشيف المكتبات العادية، وإنما لكي تحل كبديل عن تلك المكتبات. ولكن أمناء المكتبات لم يكتفوا بالتباكي على ما يحدث، بل بدؤوا في دعم وتحسين طرق البحث التقليدية عن المعلومات التي تعتمد على مراجعة المكتبات بغرض سد الفجوة القائمة بين النتائج التي يتم الحصول عليها من خلال طرق البحث التقليدية، وتلك التي يتم الحصول عليها من خلال محركات البحث العادية، مثل (جوجل) والتي تتصف المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلالها بأنها غير كاملة بل وعشوائية في بعض الأحيان.
وفي إطار هذه العملية، سيقوم العديد من أمناء المكتبات بدراسة الآثار التي سيعاني منها العالم الأكاديمي، عندما يقوم الباحثون بإجراء بحوثهم ودراساتهم بعيداً عن قاعات المكتبات وأرفف الكتب، وهي الأماكن التي اعتادوا التردد عليها عند القيام ببحوثهم.
"بيد أن هذا لا يعني أن تلك العملية ستؤدي في النهاية إلى عودة الباحثين إلى قاعات المكتبات ورفوفها، أو قيامهم بالتواصل كما اعتادوا سابقاً مع موظفي المكتبات لمساعدتهم على البحث عن مراجع معينة". هذا ما تقوله كيت ويتينسبيرج، مديرة مبادرة النشر الإلكتروني بجامعة كولومبيا.
وقد أتمت المجموعة التي تشرف عليها ويتينسبيرج الدراسة التي عكفت عليها لمدة ثلاث سنوات، والتي كانت تدور حول عادات البحث لدى الباحثين والدارسين، وشملت إجراء مسح لعدد 1233 طالباً في مختلف المناطق. وقد توصلت المجموعة إلى استنتاج مؤداه أن مصادر المراجع الإلكترونية باتت هي الأداة الرئيسية لجمع المعلومات، وخصوصا بالنسبة إلى طلبة الجامعة الذين يتعين عليهم- باعتبارهم طليعة المستقبل- أن يتفاعلوا مع الطرق الجديدة في البحث. هذا هو ما تقوله ويتينسبيرج التي تقترح طريقة جديدة لاستنباط وسائل بحوث أفضل وجعلها متاحة على الشبكة. وتتمثل هذه الطريقة في الاستفادة من التعاون مع محركات البحث التجارية مثل (جوجل) و(ياهو) بهدف الوصول إلى مصادر بحث رقمية.
ومجموعة ماكسيانوفا ليست هي المجموعة الوحيدة التي تقوم بإجراء البحث باستخدام أجهزة الكمبيوتر. فأعضاء هيئة التدريس يفعلون الشيء نفسه على رغم أن العديدين منهم يعبرون في ذات الوقت عن خوفهم من تحول الطلاب إلى الاعتماد الكامل على شبكة الإنترنت والاستعاضة بها عن طرق البحث التقليدية.
"قلما يجد المرء أحد أعضاء هيئة تدريس في قاعات المكتبات" هذا ما يقوله (بول دوجويد) الباحث في مجال المعلومات، الذي يدرِّس في فصل الخريف بجامعة كاليفورنيا طرق البحث الرقمية وكيفية التأكد من صحة المعلومات التي يتم الحصول عليها من الشبكة. وفي المسح الذي أجرته جامعة كولومبيا، أكد 90 في المئة من أعضاء هيئة التدريس الذين أجري عليهم البحث، أنهم يستخدمون المصادر الإلكترونية في بحوثهم عدة مرات في الأسبوع الواحد، بل وربما أكثر من ذلك. والجميع بلا استثناء قالوا إن شبكة الإنترنت تمثل مصدراً جيداً للمعلومات. وفي حين أن درجة دقة المعلومات التي يتم الحصول عليها من على الشبكة تتفاوت بين موقع وآخر، فإن تعدد مصادر البحث على الشبكة يعني في حد ذاته أن الرحلة إلى قاعات المكتبات الجامعية والعامة لم تعد هي الطريقة المفضلة التي يعتمد عليها معظم الباحثين.
"لقد تغيرت طرق اكتشاف المعلومات والحصول عليها".. هذا ما يقوله جوزيف جينز، الأستاذ المساعد ورئيس قسم الوثائق والمكتبات بجامعة واشنطن. ويضيف جينز قائلا:"إنني أعتقد بأن الثورة الرقمية واستخدام المصادر الرقمية بشكل عام يشكلان بداية تغيير الطريقة التي تفكر بها البشرية والتي تقدم بها نفسها أيضا".
ويقول عدد من أمناء المكتبات المتخصصين إن محرك البحث جوجل يمكن أن يضطلع بشكل متزايد بدور يشبه المكتبة العالمية. "فإذا ما تمكن أحدنا في المستقبل من استخدام محرك البحث جوجل، لإلقاء نظرة على مكتبة من المكتبات الإلكترونية العديدة المتاحة على الشبكة فإن ذلك سيكون شيئا رائعا في حد ذاته". هذا ما يقوله (جانييل جرينشتاين) أمين مكتبة كاليفورنيا الرقمية التي تعتبر فرعاً من منظومة ال