··· البداية الدرامية لمحاكمة الرئيس العراقي السابق وبعض من كبار معاونيه في قصر الرضوانية ببغداد أمس الأول، أظهرت، بين ما أظهرت من مفاجآت، أن صدام حسين لا يزال على انفصاله التام عن الواقع، ويعيش أوهام مجد غابر ولى وسراب منصب زائل ضل، لم يعد له وجود إلا في مخيلته هو وطائفة توشك على الإنقراض من المكابرين والمخدوعين في الداخل والخارج، وإلا فبماذا يفسر إصراره على تسمية نفسه برئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة رغم مضي أكثر من عام على تخليه وانسحابه، طوعا أو كرها، من قيادة نظامه وقواه العسكرية والأمنية واختبائه في ركن قصي من إحدى مزارع تكريت ؟ !·
محاولة صدام وغيره من الدوائر السياسية والقانونية، وللمفارقة فإن غالبيتها من خارج العراق، تحويل المحاكمة الجنائية الحالية إلى محاكمة سياسية، تشكيكا في شرعيتها، وتبريرا لجرائم الماثلين أمامها، مسعى محكوم عليه بالفشل من البداية، ذلك أن حكم الإدانة السياسية لمسلك النظام السابق قد صدر بإجماع الشعب العراقي والمجتمع الدولي، وهو حكم غير قابل للنقض والمراجعة والتعديل، طالما أنه صادر من أعلى مرجعية للشرعية لأي نظام سياسي، أما الحكم جنائيا وتحديد المسؤوليات الفردية، إدانة أو براءة، فما يزال قيد النظر، حيث بدأت أولى جلسات التحقيق القضائي في التهم المنسوبة إلى رموز النظام السابق وعلى رأسهم صدام حسين·
ما تحلى به قاضي التحقيق في اليوم الأول من رحابة وسعة صدر ورفق وأناة وأدب واحترام تجاه المتهمين، رغم ما عرف عنهم من استخفاف واستهانة بأبسط قواعد العدالة أثناء فترة حكمهم وتسلطهم، وعدم انجراره وراء المغالطات والمجادلات العقيمة، والاستفزازات المعهودة والتهجم على الكويت الشقيقة، التي حاول صدام جر القاضي إليها، ينفي عن المحاكمة أي طابع سياسي، ليدخلها في دائرة المحاكمات الجنائية التي تتطلب إحضار شهود الإثبات، وما أكثرهم، وشهود النفي، وما أندرهم، وحق المتهم في الحصول على محام أو محامين يترافعون عنه ويردون التهم الموجهة إليه، وهذا ما فعله القاضي حينما استجاب لطلب صدام بعدم التوقيع على محضر الاتهام إلا في حضور محاميه·