في الوقت الذي يركز فيه العالم انتباهه على العراق، أبدت مصر استعدادا جديدا وغير مسبوق للعب دور قيادي مكثف في إنهاء الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فالمصريون يرون أن نية شارون للانسحاب من قطاع غزة قد خلفت فرصة وأنه ينبغي عليهم بالتالي البناء على تلك الفرصة. ونظرا لأنني قد عدت توا من الشرق الأوسط، فإنني أستطيع القول إن القرار المصري صادق تماما. ولكن السؤال هو: هل يستطيع المصريون أن يقوموا بكل شيء بمفردهم. وهل يدركون بالضبط ما هم مقبلون عليه؟
ليس هناك شك في أن دافع المصريين للعمل ليس الاستفادة من الفرص السانحة فقط ولكن أيضا إدراكهم للأخطار المحتملة. فآخر شيء تريده مصر هو أن تصبح غزة التي تقع على حدودها مسرحا للفوضى أو أن تقع تحت سيطرة حماس. ومن المفارقات أن قرار شارون بالانسحاب من غزة، هو الذي دفع مصر إلى تبني دور كانت تقوم به الولايات المتحدة من قبل. فمصر هي التي تسعى الآن إلى التنسيق بين عملية الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وبين العملية الموازية التي تتمثل في استلام المسؤولية من قبل السلطة الفلسطينية. ومصر هي التي تسعى الآن لمعالجة الهموم الأمنية الإسرائيلية، كي تضمن أن يكون انسحابها كاملا. ومصر أيضا هي التي تحاول إعادة تنظيم هيكلة وتدريب قوات الأمن الفلسطينية، وتعزيز وضع رئيس الوزراء الفلسطيني.
هل يمكن لمصر أن تنجح؟ يمكن. ولكن ذلك لن يكون بالأمر السهل. فعليها في المقام الأول أن تتغلب على العقبات التي ستواجهها في التعامل سواء مع الإسرائيليين أو الفلسطينيين. في إسرائيل، ربما يكون شارون قد اتخذ قراره ولكنه لا يستطيع تجاهل هموم جيشه. فحتى قبل وقوع أول حادث من نوعه يتم فيه قتل إسرائيليين في مدينة سديروت في النقب بواسطة صواريخ قسام يوم الاثنين الماضي، كان الجيش الإسرائيلي يشعر بالقلق بشأن تهريب أسلحة مدمرة ذات نوعية متقدمة إلى غزة بمجرد قيامها بالانسحاب من المدينة. لهذا السبب على وجه التحديد، فضل وزير الدفاع الإسرائيلي، التمسك بممر فيلادلفيا بغض النظر عن رغبة رئيس الوزراء شارون في الانسحاب بشكل كامل من القطاع. ولكن التحديات التي ستواجه مصر في التعامل مع الفلسطينيين قد تكون أكثر تثبيطا للهمة. ففي الوقت الراهن، لم تعد السلطة الفلسطينية تعمل بفعالية في غزة فيما يخص الأمور الأمنية. فهناك في غزة الآن تنظيمات أمنية مختلفة تتنافس فيما بينها كمما ستتنافس بالتأكيد مع منظمتي حماس والجهاد الإسلامي. ومصر تريد إقناع عرفات بالسماح بدمج التنظيمات الأمنية في ثلاثة تنظيمات أو قوى رئيسية، يكون لكل منها سلسلة قيادة محترفة، ويتم فصلها عن منظمة فتح. ومصر تريد من قادة القوات الأمنية الموحدة أن يأتوا إلى مصر للوصول إلى تفاهم بشأن مسؤولياتهم، وكيف سيقومون بها، وكيف ستقوم مصر بمراقبة أدائهم، مع قيامها في نفس الوقت بتقديم الإسناد لهم.
والخطة كما نرى منطقية. وفي حين أن رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع يدعم الخطة، إلا أن ياسر عرفات لم يفعل ذلك سوى على مضض. ليس هذا فحسب، بل إن دعمه هذا لم يأت إلا عندما تعرض لضغط من الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس استخباراته عمر سليمان. فكلمة( نعم) التي أعطاها عرفات لسليمان في هذا الخصوص تعني في الحقيقة( لا) في هذا الموقف،خصوصا إذا ما عرفنا أن رئيس السلطة الفلسطينية لن يقوم بتسليم السيطرة على قوات الأمن عن طيب خاطر، كما أنه يكره فكرة ظهور شخص آخر في الصورة وقيامه بنسبة الفضل في تحرير غزة إلى نفسه.
هل يعني هذا أن كل شيء قد ضاع؟. ليس بالضرورة. ولكن الأمر سيتطلب ممارسة ضغط مستمر على عرفات من قبل مبارك بما في ذلك إمكانية تهديده بكشف تكتيكاته في الاعتراض والعرقلة على الملأ. ربما ليس لدى عرفات ما يخشاه من نقدنا، ولكن إذا ما قام الأصدقاء التقليديون للشعب الفلسطيني، بإعلان أنه يقوم بإعاقة الجهود الرامية لدفع القضية الفلسطينية قدما إلى الأمام، فإن ذلك سيكون له بالتأكيد تأثير مختلف على رئيس السلطة الفلسطينية.
في الجلسات الخاصة كثيرا ما يقوم مبارك وغيره من الزعماء العرب بتوجيه انتقادات عنيفة لعرفات. ولكن المشكلة في هذا السياق هي أن الزعماء العرب لم يكونوا راغبين في أي وقت في الإدلاء بتصريحات علنية تنتقد عرفات، ربما بسبب خوفهم من قدرته على استغلال جماهيرهم وتحريكها ضد ما سيدعيه من قيام زعمائهم بخيانة الفلسطينيين. والتدخل المصري فيما سيحدث في غزة يمكن أن يغير مثل هذه الحسابات التقليدية. فمن الممكن لهذا التدخل أن يتيح لمصر إمكانية التوصل إلى تفاهمات بين الإسرائيليين وبين الفلسطينيين بشأن توقيت الخطوات التي سيقوم بها الإسرائيليون في الوقت الذي يستعدون فيه للانسحاب، والخطوات التي سيتخذها الفلسطينيون ردا على ذلك، والطريقة التي سيتم بها ترتيب مسألة تسليم الأراضي، والمناطق المحددة التي ستعمل فيها قوات جيش الدفاع الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية معا.
من الصعب علينا أن نؤمن بإمكانية نجاح ذلك دون تحقيق وقف لإطلاق النار.