قد لا يكون في وسعكم في المستقبل القريب أن تعيدوا تزويد سياراتكم بوقود عصير الذرة السكّري، وقد لا يكون في وسعكم أن تشحنوا بطارية الكمبيوتر بمجرد وصله بعلبة كولا. لكن السكر يبدو كوقود أو "نفط" من نوع جديد في رأي "ستانلي كرافيتز" " ومجموعة من زملائه الباحثين لدى "مختبرات سانديا الوطنية". وقد بدأ الدكتور "كرافيتز" وزملاؤه الباحثون بتطبيق براءات اختراع ذات علاقة بإيجاد طرق جديدة معنية بتحويل سكر العنب (الغلوكوز)، وهو أحد أشكال السّكر الأساسية، إلى طاقة. ويبدو أن الغلوكوز مصدر واضح وممكن للوقود. فهو، خلافاً لغاز الهيدروجين مثلاً، مصدر متجدد ورخيص ومتوفر بكميات كبيرة.
لكن "المشكلة بخصوص غاز الهيدروجين"، على حد قول الدكتور "كرافيتز"، "هي أنه لا يوجد في الهواء ولا ينتشر في كل مكان. ولذا عليك أن تفعل شيئاً يستخدم طاقة مكثفة جداً إذا أردت تفكيك جزيء ما من أجل الحصول على غاز الهيدروجين. وتلك هي الحالة العبثية" التي يصعب فيها على المرء تحقيق ما يرغب فيه لأن القوانين تعمل بعكس المراد. فلماذا لا يبذل الباحثون الآخرون محاولات لتزويد خلايا الوقود بالغلوكوز بدلاً من تزويدها بغاز الهيدروجين؟
لقد تبين في نهاية المطاف أنه من السهل إقناع جزيئات الغلوكوز بالتخلي عمّا تحمله من طاقة.
ومع مرور الوقت، قامت الأنزيمات الموجودة في الطبيعة بتحويل الكائنات الثديية إلى ماكينات تحرق الغلوكوز. فالجسم البشري على سبيل المثال يقوم بمعالجة الغلوكوز في عمليات دقيقة أشبه برقصة فائقة التنسيق. وهناك 12 أنزيماً مختلفاً يتراقص كل منها على التعاقب مع جزيء الغلوكوز، حيث يقوم كل أنزيم منها بإرسال إليكترونين اثنين إلى خارج مدار الذرّات ليدخلا بعدئذ إلى مصادر الطاقة الخلوية وليزوّدا الجسم بالوقود. (وإذا لم يكن الجسم بحاجة إلى هذه الطاقة عندما يتم تصنيعها فإنه يخزنها على شكل دهون أو شحوم).
ومن المناهج التي يتّبعها الباحثون في "مختبرات سانديا الوطنية"، هناك منهج يقتضي الاستعانة بأدوات ووسائل الهندسة الوراثية لمعالجة الأنزيمات التي تحاكي الأنزيمات الموجودة في جسم الإنسان. و"إذا كانت عملية التطور قد اكتشفت هذه العملية"، يقول الدكتور "كرافيتز"، "فينبغي أن نكون نحن قادرين على معرفتها وتفسيرها". وهناك منهج آخر متبع، وهو منهج غير بيولوجي ويقتضي استخدام معادن مثل البلاتين من أجل تحرير الإليكترونات من مداراتها حول الذرات.
ومن شأن التطبيقات المحتملة المبكرة لطريقة استخدام الغلوكوز كوقود ألاّ تتطلب سوى مقادير صغيرة من الطاقة. فمن الممكن ،على سبيل المثال، لأجهزة الحماية الأمنية المعنية بالكشف عن حركة أو وجود المواد الكيميائية أن تستخدم أجهزة الاستشعار التي يتم وصلها بالأشجار لسحب الغلوكوز من النسغ (وهو السائل المغذي الذي يجري داخل بنية الشجرة) من أجل تحويله إلى طاقة. ومن الممكن وضع هذه الأجهزة "في مكان مخفي طوال أشهر في أماكن خطيرة"، على حد قول الدكتور "كرافيتز"، "حيث لا تكون هناك رغبة في الاضطرار إلى تغيير البطاريات".
غير أن الباحثين لدى "مختبرات سانديا الوطنية" ليسوا الوحيدين الذين يقومون بتحويل الغلوكوز إلى طاقة. فهناك آدم هيللر الأستاذ في جامعة تكساس ومؤسس شركة "ثيراسينس" التي تصنع أجهزة مراقبة مستوى سكر الغلوكوز في الدم، وهي الشركة التي استولت عليها في شهر أبريل الماضي شركة "أبوت لابوراتوريز". وقد تلقت شركة "ثيراسينس" في الآونة الأخيرة براءة الاختراع رقم 6531239 مقابل توصلها إلى صنع خلية وقود الغلوكوز.
وفي السنة الماضية، نشر البروفيسور آدم هيللر وزملاؤه ورقة بحث في "الدورية الأميركية للجمعية الكيميائية الأميركية"، وفيها قدّم هيللر وزملاؤه وصفاً لأصغر خلية وقود على الإطلاق يتم صنعها حتى الآن ضمن كائن حي- حبة عنب في هذه الحالة- حيث يقوم (النسغ) السائل المغذي فيه بتوفير وقود الغلوكوز. وقال البروفيسور هيللر إنه ربّما يستخدم خلية وقود مماثلة من أجل تشغيل جهاز يقوم بتطويره الآن، وهو جهاز معني بالمراقبة الدائمة لمستوى الغلوكوز في الدم. ويقوم الجهاز المذكور، لدى زراعته تحت جلد المريض لمدة ثلاثة أيام، بتخليص المريض من مشكلة وخز الإبرة اليومي الذي يتحمله المصابون بمرض السكري بغية رصد مستوى الغلوكوز في الدم. ومن شأن الجهاز المذكور أن يقوم بتوليد طاقة كهربائية تكفي لعمله مدة عشر دقائق، وذلك اعتماداً على الغلوكوز الموجود في دم المريض، حيث يؤدي وظيفة أداة للقياس ورصد مستويات السكر في الدم.
وبالمقارنة مع ذلك يقوم الباحثون لدى "مختبرات سانديا الوطنية"، على حد قول الدكتور "كرافيتز"، "بتوليد الكهرباء من أجل الحصول على الكهرباء فقط- أي باعتبارها مصدراً من مصادر الطاقة".
ويقوم الدكتور "كرافيتز" وزملاؤه الباحثون لدى "مختبرات سانديا الوطنية" بتطوير سلسلة منوّعة من الإبر الزجاجية الدقيقة، التي تعادل في حدّتها ودقتها إبرة حشرة البعوض، وهي إبر من الممكن مثلاً "غرسها" في ذراع الجند