... تخطو الحكومة العراقية بثقة وثبات نحو استكمال ولايتها الدستورية والقانونية على مجمل شؤون بلاد وادي الرافدين، فبعد استعادتها السلطة والسيادة من إدارة التحالف يوم الإثنين الماضي، وأدائها اليمين الدستورية، شرعت في تنفيذ برامجها المعلنة من ضبط وتعديل للأوضاع الشاذة، فأعادت أمس الرئيس العراقي السابق صدام حسين وأحد عشر من كبار معاونيه إلى عهدتها القانونية ليواجهوا العدالة العراقية ويدفعوا عن أنفسهم التهم التي ستوجه إليهم اليوم من قبل الإدعاء، وهي خطوة تتجاوز الجانب الشكلي من إجراءاتها، لتجسد مظهرا آخر من مظاهر الإمساك بزمام الأمور، وتوجيهها حسب مقتضيات المصلحة الوطنية وممارسة السلطة الفعلية على مواطنيها وعلى وطنها، في إطار القانون والنظام.
... مثول صدام حسين وأركان حكمه أمام محكمة علنية عراقية، وعد رئيس الوزراء إياد علاوي بأن تتوفر فيها جميع شروط ومعايير العدالة والنزاهة والشفافية، من كفالة لحق المتهمين في ندب محامين للدفاع عنهم، ومعاملتهم بشكل لائق أثناء فترة حبسهم، يدعم ويعزز من مصداقية الحكومة الانتقالية في الوفاء بوعودها، ويطوي الصفحات المخزية والحزينة الملطخة بوحول الغدر والخداع اللذين كانا سمة مميزة للنظام السابق في تعامله مع المعارضين له ولم ينج منها حتى أقرب الأقربين ! كما أن هذا التوجه يرفد مسيرة بناء العراق الجديد بالمزيد من القوة والمنعة، لتبنى على أسس راسخة من العدالة والديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان التي أهدرت وانتهكت بصورة وحشية غير مسبوقة وبشكل فظيع خلال العهد السابق.
إن العدالة التي يتطلع إليها العراقيون في ظل النظام الجديد، ليست في أخذ الثأر والتشفي والإنتقام من المسؤولين عن المأساة العراقية، وعلى رأسهم صدام حسين وزمرته بالطبع، وإنما في ترسيخ وتأكيد مبدأ استقلال السلطة القضائية، وإعادة الاعتبار لسلطة القانون ليكون حكما بين الجميع، لا تحرفها أهواء السياسة عن تلمس درب العدالة، ولا تجرفها مغرياتها ومفسداتها عن ردع الظالم وإنصاف المظلوم.