تناقلت وسائل الإعلام الدولية أول من أمس خبر نجاح أول زراعة لمبيض امرأة في التاريخ. وحسب الخبر الذي نشر ضمن فاعليات المؤتمر الأوروبي للعقم في مدينة برلين، نجحت مجموعة من العلماء في مستشفى جامعي ببروكسل (Université Catholique de Louvain)، في زراعة نسيج مبيض داخل سيدة تبلغ الثانية والثلاثين من العمر، وحملت بعدها السيدة حملا طبيعيا بجنينٍ أنثى، بلغت حاليا الأسبوع الخامس والعشرين من عمرها، ويتوقع لها أن تولد في أوائل شهر أكتوبر القادم. وتبدأ القصة في عام 1997، حينما أصيبت تلك السيدة بنوع خطير من سرطان الدم ، مما استوجب علاجها باستخدام العقاقير الكيميائية القاتلة للخلايا السرطانية والمعروفة بالعلاج الكيماوي. وبما أن هذا النوع من العقاقير يقتل أيضا الخلايا التناسلية لدى المرضى الذين يعالجون بها – الحيوانات المنوية في الرجال والبويضات في النساء- مما يسبب العقم للمرضى لاحقا بعد شفائهم من السرطان. وبما أن السيدة موضوع الخبر كانت حينها في الخامسة والعشرين من عمرها، قرر الأطباء استئصال أحد مبيضيها وتجميد أنسجته، مع ترك المبيض الآخر داخل جسدها. وبحلول أبريل من عام 2003، أعلن أطباء الأورام الخبيثة المشرفون على علاجها، شفاءها التام من المرض السرطاني. وقام بعدها فريق العلماء سابق الذكر بإعادة نسيج المبيض المجمد طوال تلك السنين إلى جسدها مرة أخرى، ليكتشفوا بعد مرور أقل من أربعة شهور أنها استعادت دورتها الشهرية وأصبحت تبيض وتحيض مثلها مثل النساء الطبيعيات. ثم نجحت في أن تحمل حملا طبيعيا من خلال المعاشرة الزوجية، ودون استخدام أساليب التلقيح الاصطناعي أو الخارجي التي تستخدم مع النساء اللواتي يعانين من مشكلات في الحمل والإنجاب.
هذه القصة ونجاح الحمل فيها، يتوقع لها أن تغير وجه الطب والعلاج على صعيدين محددين بالذات. الأول هو مجال علاج الأورام السرطانية؛ حيث كان المرضى الذين يتم علاجهم كيماوياً أو إشعاعياً غالبا ما يفقدون قدرتهم على الإنجاب لاحقا، وهو ما كان يسبب لهؤلاء المرضى الكثير من التعاسة والألم. هذا بالإضافة إلى ما يعانونه من صدمة نتيجة خبر تشخيص إصابتهم بالسرطان، وما يقاسونه من آلام وأوجاع نتيجة الأعراض الجانبية الأخرى الشديدة للعلاج الكيماوي، مع الخوف والقلق الشديدين اللذين يسببهما لهم شبح الموت الذي يحلق فوق رؤوسهم بصفة دائمة خلال فترة العلاج. وحتى من كان يشفى من هؤلاء المرضى، غالبا ما يجد أنه فقد قدرته إلى الأبد في الحصول على ذرية. هذا الوضع المأساوي يمكن تجنبه بسهولة لدى الرجال، من خلال جمع وتخزين الحيوانات المنوية قبل البدء في العلاج، على أن تستخدم لاحقا إذا ما رغب الزوجان في الحصول على ذرية باستخدام أحد أساليب التلقيح الاصطناعي الخارجي (IVF) والمعروفة بأطفال الأنابيب. أما بالنسبة للنساء فيحمل خبر الأمس أملا جديدا لهن، حيث أصبح من الممكن أن تستأصل أنسجة المبيض قبل بدء العلاج، على أن تعاد إليهن مرة أخرى بعد انتهائه والحصول على الشفاء التام، ليمارسن بعدها حياتهن بشكل طبيعي مثلهن في ذلك مثل الأصحاء.
المجال الثاني الذي يمكن لعمليات زراعة المبيضين أن تصبح شائعة الاستعمال فيه، هو مجال النساء اللواتي يرغبن في تأخير حملهن وولادتهن إلى ما بعد سن اليأس. في هذا السيناريو النظري حاليا، يمكن للنساء اللواتي يرغبن في تأجيل حملهن لأسباب مادية أو مهنية مثلا، أن يجمدن أنسجة مبايضهن إلى أن يحين الوقت المناسب للحمل، حيث تتم إعادة الأنسجة إليهن ليتمتعن وقتها بخصوبة بنات العشرين. أو يمكن في نسخة أخرى من هذا السيناريو، أن تخزن النساء أنسجة مبايضهن لما بعد سن اليأس حيث تعاد لهن لاحقا، ليس لغرض الحمل والولادة وإنما لتجنب أعراض ومظاهر سن اليأس. ففي الكثير من النساء يصاحب بلوغ هذا السن بالكثير من الأعراض الصحية السلبية، مثل اضطراب وانقطاع الدورة الشهرية والأرق واضطرابات المزاج والشعور الدائم بالإرهاق والاكتئاب والتهيج العصبي والصداع وآلام المفاصل والعضلات ونقص الشهوة الجنسية ومشكلات التحكم في البول. وبخلاف هذه الأعراض، تصاب النساء بعد سنوات من تخطيهن لسن اليأس بمشكلات صحية خاصة، مثل زيادة هشاشة العظام وما تحمله من خطر الكسور المتعددة، وضعف وأمراض الأسنان وما ينتج عنها من فقدانها وإصابة اللثة بالأمراض. ويعتبر الجلد من المناطق التي تتأثر كثيرا بسن اليأس وما يصاحبه من نقص في هرمون الإستروجين، حيث يصبح الجلد أكثر سمكا ويصاب بالجفاف وتزيد فيه التجاعيد. هذه الأعراض الصحية المزعجة والأمراض التي تزداد معدلاتها بعد تخطي سن اليأس والتغيرات الجمالية الأنثوية –وخصوصا تلك المتعلقة بالجلد- قد تدفع بعض النساء في المستقبل لتجميد بعض من أنسجة مبايضهن لاستخدامها لاحقا للحصول على الشباب الدائم.
كل تلك الاحتمالات والاستخدامات لا زالت في حيز التفكير النظري المحتمل، وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان أول نجاح لزراعة أنسجة مبيض هذا الأسبوع سوف يحمل دلالات طبية خارج نطا