ردت إدارة بوش على أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشن حربين: الحرب على الإرهاب- بصرف النظر عما يعنيه ذلك- والحرب على الحريات المدنية في الوطن، وعلى حكم القانون بالخارج.
وقد ادعى وزير الدفاع الأميركي أنه قد صعق، بسبب الانتهاكات التي حدثت في سجن أبوغريب، وأن ما حدث هناك يعد من قبيل (الاستثناء) وليس نمطا معتادا من أنماط الممارسة. وهو المضمون نفسه تقريبا الذي قام جورج بوش بترديده فيما بعد. بيد أن هناك أدلة عديدة تثبت أن الانتهاكات وامتهان كرامة المساجين كانت تمثل إجراءً عملياتيا ثابتا في العراق وفي أفغانستان، وأن ذلك الإجراء كان يتم بموافقة المستويات في القمة.
فعندما وقع المئات من قوات طالبان في الأسر- ومن بينهم أميركي- في نوفمبر 2001، قال رامسفيلد إن المقاتلين الأجانب يجب ألا يتوقعوا أي رحمة. وأصدر رامسفيلد حكما من جانبه مؤداه أن اتفاقيات جنيف لا تنطبق على السجناء الموجودين في معسكرات الاعتقال الأميركية في جوانتانامو في كوبا وأفغانستان، وقرر من جانب واحد أن هؤلاء السجناء ليسوا أسرى حرب وإنما هم مقاتلون غير شرعيين ليس من حقهم التمتع بحماية القوانين الإنسانية الدولية.
وقد ورد تقرير في صحيفة الواشنطن بوست مؤداه أن أساليب الضغط والتعذيب والإكراه قد استخدمت ضد السجناء الموجودين في قاعدة بجرام الجوية التي تحتلها أميركا في أفغانستان، وأن هناك حالتي وفاة قد حدثتا في ذلك السجن، وأن سبب الوفاة حسب تقرير طبيب الجيش الأميركي هو القتل. علاوة على ذلك فإن التحقيق الذي أجرته مجلة نيوزويك بشأن موت مئات من السجناء الأفغان بالقرب من سجن شيبارجان في أفغانستان قد توصل إلى خلاصة مؤداها: أن القوات الأميركية كانت تعمل بشكل وثيق مع الحلفاء الذين قاموا بارتكاب ما يمكن توصيفه بأنه يمثل جرائم حرب.
ومن المعروف أن وحدة الاستخبارات العسكرية التي تولت المسؤولية عن مراكز التحقيق في العراق قد تم نشرها مباشرة من أفغانستان. كما جاء خبراء تحقيق من جوانتانامو إلى العراق وقاموا بتدريب فرق الاستخبارات العسكرية العاملة هناك.
أما ما حدث في العراق فهو أن رئيس منظمة الصليب الأحمر الدولي وبعد زيارة قام بها موظفو المنظمة إلى سجن أبوغريب في شهر أكتوبر الماضي، تقدم بشكوى إلى كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بخصوص وقوع انتهاكات في سجن أبوغريب. وقد ردت البريجادير جنرال جنيس كاربينيسكي على الشكاوى التي تقدم بها الصليب الأحمر الدولي بخطاب سري قالت فيه إن الكثيرين من السجناء العراقيين في أبوغريب ليس من حقهم التمتع بالحماية الكاملة التي توفرها اتفاقات جنيف.
وقد أكد تقرير الصليب الأحمر الدولي أن أساليب الإكراه البدني والنفسي التي كان المحققون في أبوغريب يستخدمونها ضد السجناء العراقيين، كانت تمثل إجراءً عملياتيا ثابتا يتم تطبيقه من قبل أفراد الاستخبارات العسكرية.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية جاء أن المنظمة قد رفعت شكوى بشأن الوحشية والقسوة التي يرتكبها عملاء الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان إلى أعلى المستويات في الإدارة الأميركية بما فيها البيت الأبيض، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، على مدار العامين الماضيين.
وهناك أسباب وجيهة دعت مسؤولي إدارة بوش على أعلى المستويات لتجاهل الشكاوى المقدمة من الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، وهو أن التعذيب وامتهان كرامة المساجين كان يتم بموافقة من القمة. تشير التقارير في هذا السياق إلى أن القائد السابق لقوات التحالف في العراق ريكاردو سانشيز كان قد أصدر أمرا في الثاني عشر من أكتوبر يقضي بمنح الاستخبارات العسكرية الأميركية حق السيطرة على سجن أبوغريب، بهدف واضح وهو إساءة استغلال ضعف المحتجزين وحالتهم النفسية الهشة.
وعندما تصبح إساءة المعاملة والامتهان إجراء عملياتيا ثابتا في العراق.. فما الذي يتوقع بوش ورامسفيلد حدوثه هناك؟ إن الاكتفاء بتطييب خاطر من تعرضوا للانتهاك، والادعاء بعد ذلك بالشعور بالتقزز والصدمة يمثل نوعا من الكذب الصريح وتصنع البراءة. فأول سؤال يمكن أن يطرحه المرء هنا عندما يسمع ذلك من مسؤولي الإدارة ومن الرئيس شخصيا هو: لماذا لم يقم هؤلاء بالتصرف عندما قام الصليب الأحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية بتحذيرهم من ذلك على مدى شهور؟
إن بوش مدين للشعب العراقي وللمجتمع الدولي بأسره بإجراء تحقيق مستقل ومحايد في الانتهاكات التي ارتكبتها قواته. ولكن إذا ما أخذنا في حسباننا قلة الاحترام الذي يحمله الرئيس بوش وإدارته للشعب العراقي وللمجتمع الدولي، فإننا سندرك أن قيامه بذلك ليس بالأمر المحتمل.
إن الحرب المفتوحة النهايات ضد إرهاب تم تعريفه تعريفا ذاتيا وليس موضوعيا، والحرب الرجعية ضد المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وسياسة إساءة المعاملة والإهانة التي تهرب من المحاسبة الدولية... كلها عوامل تدفع دون شك باتجاه نظام عالمي يقوم حتما على ازدواجية معايير العدالة والسلوك.