يطرح التحرك المصري باتجاه فلسطين وبإلحاح ثلاثة أسئلة مهمة: لماذا اختارت مصر أن تقوم بهذه المهمة، وفي هذا التوقيت، ومع شارون تحديدا؟ لماذا قبلت إسرائيل هذا الدور، أو التدخل المصري، وهي التي ترفض من حيث المبدأ أي تدخل من أي طرف عربي أو دولي عدا الدور الأميركي؟ ما هو الموقف الفلسطيني من التحرك المصري؟ وأخيرا ما الذي تأمل مصر تحقيقه من وراء هذا التحرك؟
لماذا اختارت مصر أن تقوم بهذه المهمة، وفي هذا التوقيت تحديدا؟ ليس هناك معلومات رسمية ذات علاقة يمكن القول إنها توفر الإجابة. لكن هناك معلومات تاريخية يمكن أن تضيء هذه المسألة. الموافقة المصرية على القيام بالدور جاءت بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلية لمصر، واجتماعه مع المستشار السياسي للرئيس مبارك، أسامة الباز. كان ذلك في السابع من الشهر الحالي. زيارة الرئيس المصري للعاصمة الأميركية تمت في شهر مايو الماضي. وهذا يعني أن الإعلان عن التحرك المصري جاء بعد زيارة الرئيس حسني مبارك لواشنطن. من الصعب تجاوز العلاقة، أو على الأقل إمكانية العلاقة بين الإثنين. وإذا صح هذا الافتراض فإن الرابط بين الحدثين (الزيارة والدور المصري في غزة) هو إعلان الرئيس الأميركي بوش الإبن، وأثناء زيارة الرئيس المصري للولايات المتحدة، لما عرف حينها بوعد بلفور الثاني. وهو الوعد الذي تم الإعلان عنه أثناء زيارة شارون للبيت الأبيض، وبعد زيارة مبارك للبيت نفسه بيومين فقط. في هذا الإعلان قبل بوش بخطة شارون للانسحاب الأحادي الجانب من غزة، وأيد احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات في الضفة الغربية، وكذلك أيد شرط إسقاط حق العودة بالنسبة للفلسطينيين الذين هجرتهم إسرائيل في حرب النكبة عام 1948، وهو المطلب الذي تصر عليه إسرائيل كشرط للتسوية. هذا مع ملاحظة أن هذا ليس إلا شرطاً واحداً، وإن كان يتعلق بمسألة مهمة وحيوية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين عاشوا في الشتات لأكثر من نصف قرن الآن.
لا نعرف ماذا دار في المفاوضات المصرية الأميركية آنذاك حول موضوع الصراع، وإحياء عملية السلام، وتحديدا حول خطة شارون للانسحاب من غزة؟. لكن التسلسل التاريخي بين انتهاء الزيارة والإعلان عن استعداد مصر للقيام بدور أمني في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي يؤشر إلى أن الدور المصري الجديد جاء نتيجة تفاهمات أفضت إليها زيارة الرئيس المصري، ومحادثاته مع بوش الإبن. وربما أن عدم صدور بيان رسمي في ختام تلك الزيارة له علاقة بالنتائج التي انتهت إليها. في هذا السياق يبدو أن وعد بلفور الأميركي أقنع الحكومة المصرية بأن إدارة بوش تقف بشكل كامل وراء خطة شارون، وأن هذه الخطة ليست بديلا عن خطة الطريق، وبالتالي لابد من التحرك المصري، والعربي بشكل عام، للتأكد من أن خطة الانسحاب هذه ليست نهاية المطاف، وإنما خطوة مهمة على مسار تنفيذ "خطة الطريق".
واللافت هنا أن الإعلان عن وعد بلفور الأميركي أعطي لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون أثناء زيارته للبيت الأبيض. هذا الإعلان يشكل تحولا كبيرا في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي. هل يمكن أن يكون هذا التحول قد تم من دون علم الحكومة المصرية، وحكومات عربية أخرى؟ لو كان الأمر كذلك، لصدر عن مصر ما يعبر عن مفاجأتها بمثل هذا التحول الكبير وغير المسبوق، ومن دون علمها المسبق. على العكس، الذي حصل ليس شيئا من ذلك، بل استعداد مصري هو الآخر غير مسبوق بالعودة إلى غزة، لكن في إطار خطة الانسحاب الإسرائيلية.
نأتي إلى السؤال الثاني: لماذا قبلت إسرائيل الدور المصري، وعودة مصر إلى غزة، وهي المعروفة برفضها القاطع لأي تدخل غير أميركي بينها وبين الفلسطينيين؟ إذا كان التحرك المصري جاء، كما أشير أعلاه، في إطار تفاهم مسبوق مع واشنطن، وضمن خطة الانسحاب الأحادي الجانب الإسرائيلية، فليس هناك ما يتناقض مع السياسة الإسرائيلية برفض كل تدخل غير أميركي. والدور المصري في هذا الإطار يوفر الغطاء "العربي" للتفسير الإسرائيلي لخطة الطريق الأميركية. قد تنظر مصر إلى دورها من زاوية مساعدتها للفلسطينيين، وضمان تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من غزة. وقد قال المستشار السياسي للرئيس مبارك إن أحد أهداف التحرك المصري "منع إسرائيل من اجتياح الأراضي، ووقف الاغتيالات والانتهاكات ضد الفلسطينيين". والسؤال هنا: ما الذي سيجعل مصر قادرة الآن على تحقيق ما فشلت في تحقيقه طوال السنوات الماضية؟ الأرجح أن يبقى الدور المصري محصورا في سقف خطة الانسحاب الإسرائيلية، وهو سقف أمني صرف، الأمر الذي يعني أن مسؤولية الأمن في غزة ستوكل إلى مصر، وتتفرغ إسرائيل لتنفيذ مخططها في الضفة الغربية.
ولم يكن شارون أقل وضوحا في تأكيده على رفض أي بعد سياسي للدور المصري، كما ألمح أسامة الباز. فقد رفض أية وساطة للقاهرة، وأصر على أن الدور المصري لا يتجاوز "تحقيق الاستقرار الأمني في قطاع غزة، وعلى الحدود بينه وبين مصر" مضيفا قوله، حسب صحيفة "الحياة" نقلا عن مصادر صحفية إسرائيلية، "لن أدع مصر تلعب دور الوسي