على الرغم من أن البعض قناص فرص أين كان ومهما كانت ضريبتها، إلا أن نماذج معلنة لرفضها هذه الفرص ما زالت متواجدة وتشهر رفضها لبيع زهيد لوطن ثمين.
فهذا البناء المتطاول على علو السماء صار مصدر ثراء لكل من كان. فالبائع لا يهتم إلا بما سيدخله من مبالغ تفوق قدرة آلات الحساب أو النقصان على العد. فالتمليك يتم لصاحب البلد والغريب الذي نحسبه مصدر ضرٍ أكثر من كونه مجرد مستثمر. فهذا البيع المتفشي كالوباء الخطر، يطرح استفهامات مخيفة وموغلة في عتمة ظاهرة تبشر بإجابات قاحلة لا تحكي إلا عن السوء وما يمكن أن يكون.
هذا التمليك الذي يتنافس عليه المتنافسون يعني أن تعطي إقامة دائمة لكائن من كان، وهذا الكائن لن يكون حسن النية على الدوام وإن يكن غير ذلك، فلماذا نعطي للغريب حق البقاء دون سؤال لمَ؟ ومتى؟ ومن؟ الأسئلة المشروعة التي تحفظ حق الوطن في أمنه، وحق المواطن في العيش بسلام كما كان دائماً.
المستقرئ للمستقبل يداهمه قلق وتوجس مشروعان، إلى أين ستأخذنا مثل هذه المشروعات الفردية والتي لا تراقبها أية جهة حكومية، باستثناء إعطاء الرخص ومبالغ ضريبية زهيدة، تترك المجال للمالك أن تكون صفقته ناجحة وذات أرباح تجعل الثراء متاحاً كأسهل ما يمكن، تماماً كعطاء من لا يملك لمن لا يستحق؟.
ولأن العتمة موحشة فإن هناك من يضيئها، فعلى رغم هذا التهافت على صفقات البيع لأي كان، إلا أن هناك من يحرص على أن يعطي حق التمليك لأي غريب يخشى منه مطامع ما أو يتوقع منه انتسابه لملة ليست ذات اتصال بالملل البعيدة عن البدع والابتداع، ويخاف أن يبيع قطعة حجر لجنسية يشك في أهلها إذا زاد عددهم، أن يكونوا كغثاء السيل الذي يهدف دوماً وفقط إلى تدمير صروح الوطن المتألقة والمطمئنة على الدوام.
والغريب أن يتعامل البعض بغاية من الاستهتار بمصائر مثل هذه الاستثمارات ولا يريد منها إلا مكاسبها المادية، وهي نظرة قاصرة وغير مدركة لأبعاد الموقف ونتائجه الاقتصادية والسياسية على حد سواء.
وأزعم أننا الدولة الوحيدة التي تقع بها مثل هذه الأحداث، والتي تبيع مساكن مع إقامات دائمة، كأننا نعالج خلل التركيبة بغرباء الوجه واللسان والدين، والذين بهم نفاقم كل أزماتنا الداخلية ونخلق أزمات جديدة لا يعرف حل لها إن وقعت إلا بعد أن يكون كل شيء قد انتهى. حتى حق المواطن في الحصول على مسكن له ميزة، هي أنه فقط لبني جلدته وليس لغريب أن يحاربه عليه.
وأولئك الذين يخشون أن يبيعوا لمن لا يستحق قلة، والأكثرية هم الذين تخلوا عن انتماء فاعل للوطن وركضوا خلف ربح أناني لا يعني إلا أنهم يستثمرون الوطن وأهله لمصالحهم الشخصية، دون اهتمام فعلي يعلن حرصهم على أمن ننعم به اليوم وأكبر الخوف أن نفقده غداً وللأبد.
لماذا لا يحسب أمثال هؤلاء حساب الأجيال القادمة وأحقيتها في الحياة دون خوف من غريب ينازعها حقها في وطنها وتحت سمائها؟
حتى متى يبقى هذا البيع لكل شيء مستمراً؟ قد يذهب هذا البيع غداً نحو مقاصد جديدة قد تغير من خريطة المكان بأسره؟!!