بغض النظر عن ارتباط اسمه بسلطة الاحتلال أو كونه رمزاً للسيطرة الأميركية على العراق، فإن السفير بول بريمر الذي انتهت مهمته قبل يومين في العراق تحمّل عبئاً كبيراً خلال الشهور التي قضاها في منصبه الأخير. بريمر تعرض لمحاولة اغتيال ربما لم تنل تغطية إعلامية كافية وتحمل أجواء من القلق في بيئة يعصف بها الإرهاب ليل نهار. ويحضرني هنا مشهد الاحتفال المحدود الذي أجراه بريمر لتسليم السلطة إلى العراقيين، وهو احتفال يعكس مدى حرص الإدارة الأميركية على تفادي أية مفاجآت أو صدمات إرهابية من العيار الثقيل، خاصة وأن عصابة "الزرقاوي" شنت خلال الأسبوع الماضي سلسلة هجمات شوّهت من خلالها المشهد العراقي.
رحيل بريمر يُرسي مرحلة جديدة في عراق ما بعد صدام، فتسليم السلطة إلى العراقيين يعني أن الأمور باتت - من الناحية الشكلية أو البروتوكولية- بيد العراقيين أنفسهم، ما يلقي بمسؤوليات جسام على كاهل الحكومة العراقية الانتقالية التي يترأسها إياد علاوي.
لاشك أن رحيل هذا الرجل عن العراق يحمل دلالات أهمها أن الولايات المتحدة "نجحت" في طي مرحلة خطيرة في عراق ما بعد الحرب، وذلك من خلال نقل المسؤولية إلى العراقيين حتى يتسنى للقوات الأميركية التحول من فاعل حقيقي على الأرض إلى مجرد مراقب للأحداث وحارس للحكومة العراقية الانتقالية، وهو دور ليس سهلاً لأن أي فشل يعتري مهمة هذه الحكومة معناه أن القرار الأميركي الخاص بنقل السلطة لم يكن صائباً. كما أن مشهد نقل السلطة يعني أن إدارة بوش التزمت بتنفيذ وعودها للعراقيين، ما يُمكن الرئيس الأميركي من توظيف ورقة تسليم السلطة في حشد تأييد الناخبين، وهو ما يخدم مصلحة الرئيس بوش خاصة وأنه يخوض هذا العام غمار معركة انتخابية.
محمد حمدي صابر - دبي