... العبث والاستهتار المستشري في بعض مواقع ساحة الانترنت ، وعلى شاشات بعض الأقنية التليفزيونية الفضائية والصحف ، من عرض صور ومقاطع مروعة ومقززة معا للرهائن المرتعدين فرقا من المصير الحالك الذي ينتظرهم على أيدي الخاطفين والجلادين الجبناء و القساة ، ثم مشاهد الرؤوس الذبيحة موضوعة فوق جثة الضحية ، وهي تقطر دما ، وإتباع ذلك ببث مقاطع من الخطب والبيانات المسمومة لهؤلاء المختلين والمنحرفين دينيا واجتماعيا ، ومن ثم الاعتذارعن عدم إذاعة البقية احتراما لمشاعر المشاهدين والمتصفحين والقراء ، لا يدخل في إطار الخدمة الإعلامية النزيهة والسبق الإعلامي ، وحرية الوصول إلى المصدر وإيصال المعلومة إلى المتلقي من دون قيد أو شرط ، وإنما يندرج في إطار تلبيس الباطل بالحق ، وتحت طائلة خدمة المجرم والمشاركة في جرمه وتحريضه على مواصلة إجرامه.
إن النفس ، ومهما كانت درجة حيوانيتها ، لتعاف النظر إلى أي مشهد يحط من قدرها، وينزلها هذه المنزلة الدونية من البشاعة والقساوة، فما بال البعض الذين لا يتورعون أو يرتدعون عن السعي إلى كل ما ينفي عن البشر إنسانيتهم ، ويدخلهم في دائرة الضواري والجوارح وبنات آوى ، من خلال عرض الجثث والأعضاء البشرية المقطوعة والمبتورة وصور الرهائن والضحايا الخائفين والمذعورين والمرتعبين ، حتى لوكان الغرض من ذلك كسب التعاطف إلى جانب الضحية، وجلب السخط على جلاديه، فهذا جانب تحرمه كل الأديان وترفضه كل الشرائع والقيم الإنسانية، فالمشاعر الإنسانية واحدة يتساوى فيها جميع البشر، على اختلاف ألوانهم وأديانهم وعقائدهم، وكلها ترفض وتتأذى من التنكيل والتمثيل بالناس وعرض ضعفهم وقلة حيلتهم ، حتى ولو كانوا مجرمين مدانين بالجرم المشهود ·
ما يفعله خاطفو الرهائن في العراق وفي كل بلد نكب بوجودهم ، من تصوير للضحايا قبل الذبح وبعده، ومن تمثيل بالجثث الهامدة التي لا تنطق، ينبغي أن يعيد للذين يتسابقون على نشرها، ويتبارون في توزيعها قسطا يسيرا من الحياء الإنساني، لا جانبا من الحياء الإعلامي الذي فقدوه كلية، فقد أضحوا يتمرغون في أوحال رذيلة التكسب والتربح من آلام ومعاناة الأنفس البشرية المعذبة والمغلوبة على أمرها، والمستسلمة لمصيرها على أيدي أناس ليسوا من طينة البشر.