أصدر قادة الدول الثماني يوم 9/6/2004 وثيقتهم الخاصة بالإصلاح في الشرق الأوسط الأوسع وشمالي إفريقيا على أساس الشراكة بين الدول الثماني ودول الشرق الأوسط الأوسع وشمالي إفريقيا. ومن بين هذه الدول إسرائيل وتركيا وإيران وأفغانستان. المهم هو إدخال إسرائيل عضواً أصيلاً في المنطقة والإشارة إلى مضمون خريطة الطريق وما أشارت إليه اللجنة الرباعية في بيانها يوم 4/5/2004. وكان مؤتمر القمة العربي أصدر قبل ذلك في اجتماعه في تونس (22-23/5/2004) (وثيقة مسيرة التطوير والتحديث والإصلاح). ووعد فيها بأن يشكل من أعضائه مجموعة متماسكة ومنفتحة على الدول والتجمعات الاقتصادية الأخرى ومضاعفة الجهود من أجل تحقيق التسوية العادلة والشاملة للصراع العربي- الإسرائيلي وفقاً للمبادرة العربية للسلام والتي أقرها في قمة بيروت في 28/3/2002.
وكانت قمة الدول الثماني قد أشارت إلى وثيقة قمة تونس العربية ودعت إلى تسوية النزاع العربي- الإسرائيلي على أساس قراري مجلس الأمن 242و338 وإلى عدم اعتبار النزاعات الإقليمية عقبة في وجه الإصلاحات التي قد تقدم مساهمة لحلها. وقد نسيت قمة الثماني أو تناست أن النخب العربية الحاكمة عاجزة في معظمها عن أي إصلاح جدّي، فهي ضيقة الأفق وعديمة الصلة بالعصر لذلك خاطبت قمة الدول الثماني أصحاب القرار الاقتصادي (رجال الأعمال) والمجتمع المدني، واستجابت في الوقت نفسه للتوجه العربي أن (التغيير لا ينبغي ولا يمكن فرضه من الخارج، ويتمتع كل بلد بفرادة خاصة به وينبغي احترام تنوع البلدان).
تصورت مجموعة الدول الثماني أن منطقة الشرق الأوسط الأوسع وشمالي إفريقيا بؤرة لنشر الفكر المتطرف في العالم، ومن ثم يتوجب فرض خطة الإصلاح السياسي والديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي عليها، حتى لا تواصل تفريخ الإرهابيين وبخاصة بعد إصدار مجلس الأمن قراره رقم 1546 في 8/6/2004 بشأن العراق، وبعد أن غابت (اللاءات) الكبيرة التي كانت يهدد بها بعض الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس، وبعد أن اتفق الطرفان - أميركا وأوروبا - أن المنطقة تشكل خطراً حقيقياً على أمنهما فأسرعتا إلى التصالح مع العالم، بأن المنطقة بجميع عناصرها لا تشكل خطراً قط على أي أحد وإنما هي ضد الاستعمار كيفما جاء ومن حيثما أتى.
تبدو الدول الثماني بعد مؤتمرها في سي آيلاند بولاية جورجيا الأميركية أنها كـ (مجلس وصاية) يعطي لنفسه الحق في أن يرسم سياسات العالم أو بعض دول العالم، ثم يفرضها على شعوب الأرض عنوة. فقد أصدرت القمة بياناً خاصاً بأسلحة التدمير الشامل، ولم تنس القمة إيران إذ حثتها على إبداء قدر أكبر من المرونة في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونسيت، بقصد، أن تذكر إسرائيل لا تلميحاً ولا تصريحاً، مع أنها الوحيدة التي تملك أكبر ترسانة نووية وكيميائية وبيولوجية في الشرق الأوسط كله. ولو كانت قمة الثماني جادة في حرصها على أمن واستقرار العالم كله لكانت ضمت إسرائيل إلى بيانها مثلما ضمت كوريا الشمالية وإيران.
لقد عرضت الدول الثماني على دول منطقة الشرق الأوسط الأوسع وشمالي إفريقيا شراكة لا ترى فيها الجيوش تزحف أو الأسلحة تخزن أو الحروب التي تدق طبولها أو الالتزامات الاقتصادية. وإذا كان الإصلاح والتحديث في الدول العربية أمرين ضروريين فإنهما مقدمان في قمة الثماني كعقوبة. وكان الأولى بالقمة باعتبارها ترى نفسها وكأنها (مجلس وصاية) أن تحل مشكلة الصراع العربي- الإسرائيلي، وتنهي مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأراضي العربية المحتلة في الجولان ومزارع شبعا اللبنانية ومشكلة الاحتلال الأميركي للعراق، وتضع حداً نهائياً للاتهام الغربي للحضارة الإسلامية بأنها منبع الإرهاب وما ينال العالم من اضطراب.
وكل ما في الأمر أن الهدف العربي أو الإسلامي لا يختلف قط عن الهدف الإنساني وهو إنهاء الاحتلال والاستعمار، وتحديداً الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأميركي للعراق، وهو احتلال لا يبغي قط تطبيق الديمقراطية وإنما يبغي نهب الثروات والأرض. وحتى لا يتضمن الفكر السياسي العربي مثل هذا التصور -وهو حقيقي ملموس - فمن الضروري إنهاء الاحتلال بأي صيغة أو لأي سبب كان والتمييز بين مقاومة الإرهاب ومقاومة الاحتلال. ولا ينسى الأميركيون قط أنهم جاؤوا إلى مسائل الإصلاح، سواء كان الإصلاح سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، من باب الإرهاب. والإرهاب ليس حالة عربية أو إسلامية قط. وإنما هو عدوان يرتكبونه في العراق ويشجعون الإسرائيليين على ارتكابه ويحمونهم في المحافل الدولية.