يتخذ الإعداد للمرحلة المقبلة التى تعقب تحقيق السلام مظاهر شتى في أوساط القوى السياسية في الشمال وفي الجنوب. وسنكتفي اليوم بإيراد مثالين اثنين لتوضيح رؤى بعض القوى السياسية ونوع توجهها نحو المستقبل القريب.هناك مثلا التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم في عضويته لفيفا كبيراً من الفصائل التي ظلت تعارض نظام الانقاذ منذ اعتلائه الحكم، وتنوع اسلوب معارضتها فبدأ سلمياً حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي ثم انتقل ليتخذ شكلاً عسكرياً ظل يمارسه لبضع سنوات ثم عاد واعلن أنه يسعى لإسقاط نظام الانقاذ أو إضعافه بالطرق السلمية. هذا التجمع سيعقد خلال الأيام القليلة المقبلة دورة لمجلس قياداته تعقد في عاصمة اريتريا للبحث في القضايا التالية:
الاستماع الى الدكتور قرنق يشرح لزعماء بقية الفصائل معاني ما اتفق عليه مع الحكومة، وايضاح ماهية العهد الجديد هل سيكون مشاركة في الحكم فقط أم تحالفا سياسياً مع جماعة الانقاذ الحاكمة.
ثانيا: البحث عن أوضاع الغد وكيف ستشارك القوى السياسية المعارضة في الحكومة الأوسع تمثيلاً والتى نصت الاتفاقية على ضرورة تكوينها في المرحلة المقبلة. إن نسب المشاركة في أجهزة السلطة تعطي الحزب الحاكم 51% وتخصص للحركة الشعبية نسبة أقل وتبقي نحو 15% من المناصب من المفترض أن يملأها ممثلون من فصائل التجمع الأخرى إضافة الى حزب الأمة.
ثالثا: الاتفاق حول فيما لو أن التجمع الوطنى سيبقى كما هو تنظيماً موحداً أم سينفرط عقده إضافة الى الإعداد لعودة قادة التجمع للسودان بعد أن انتهت مرحلة رفع لواء المعارضة من خارج أرض الوطن.
أما المثال الثاني الخاص بالإعداد للمرحلة المقبلة فهو النشاط الذي بدأه العقيد قرنق بوصفه زعيم الحركة الشعبية التي أعلن أنها بدأت تنتقل من التركيز على العمل العسكري الى العمل السياسي.
بدأ السيد قرنق طوافاً على مدن وقرى جنوب السودان ليشرح للجماهير معاني الاتفاقيات التي وقعت مع الحكومة وليبشرهم بعهد جديد يسوده السلام وتبدأ فيه التنمية وازالة آثار الحرب... وفي نفس الوقت أعلن أن حركة قرنق ستفتح لها مركزاً في العاصمة وستحاول استقطاب الناخبين ليس في الجنوب وحده بل في الشمال كذلك. وفي هذا الاطار فإن قرنق الذى يدعو لما يسميه (سودان جديد) أعلن في بعض خطاباته الجماهيرية أنه متفائل بالنسبة للمستقبل وأنه يقدر أن حركته قادرة وفق برامجها وسياساتها على استقطاب اغلبية الناخبين في السودان الشمالي عندما يحين وقت اللجوء للانتخابات حتى تتكون الحكومة وفق الاغلبية البرلمانية التي تفرزها تلك الانتخابات.
وهذه كلها اما هي الا جزء من نشاط متعدد الأوجه شمل كل القوى السياسية في الشمال وفي الجنوب. شمل المؤيدين للحكم والمعارضين كما شمل تنظيمات مناطقية جديدة تدعو لانتشال أجزاء من السودان يرى أهلها أنها ما زالت مهمشة وأنه لابد من اشراكها في السلطة وفي اقتسام الثروة تماماً كما حدث للجنوب..
إن السودان يمر الآن بفترة مخاض يأمل الكثيرون أن لا تطول وأن تكون المصلحة الوطنية العليا هي الهادي والمرشد لكل الذين يتقدمون لقيادة العمل السياسي. إن الفرصة مواتية لينتقل السودان من حال الى حال وينعم بقدر من الاستقرار ورسوخ الحكم الذى افتقده منذ أن نال استقلاله.